ما لا تعرفونه عن أبي يعرب

محمد بن نصر 

قرأت لأبي يعرب المرزوقي، قبل أن ألتقيه. كنت كلما أحسست بجمود ذهني عدت إلى كتابات أبي يعرب لأشحنه حتى يشتغل بملء طاقته. ولكن كما تعودت أن أقول العمق الفكري لا شك مهمّ ومهمّ جدا ولكن الأهمّ من ذلك عندي النبل الأخلاقي وأبو يعرب أتى (ولا أقول أُوتي، فكلاهما من الكسب المحمود لا يقدر عليهما مجتمعين إلاّ أصحاب الهمم العالية) من الأمرين النصيب الأوفر.

كان حظي من صحبة أبي يعرب وافرا. لقد كان لي جارا في كوالالمبور وزميلا في جامعتها العالمية وأستاذا في باريس ورئيسا في القصبة وفوق كل ذلك صديقا عزيزا في الحياة.

الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي

اتفقنا كثيرا واختلفنا في التقدير مرارا وتحاورنا في العلن دون كوابح ولكن بكل ما يقتضيه أدب الحوار. ولعلّه بالمآلات، حسب تقديري طبعا، أخطأت في التقدير مرّتين، كانت إحداهما كارثية وأخطأ مرة واحدة.

حقيقة عندما عزمت على كتابة هذه التدوينة كانت النيّة الكتابة عمّا لا تعرفونه عن أبي يعرب. وأعني بذلك مواقف النبل والشهامة. سأكتفي بثلاثة منها حتى تعرفوا من أيّة طينة هذا الرجل.

الموقف الأول. كانت أيام عصيبة تلك التي سبقت الهجوم الأمريكي الوحشي على بغداد. كان السؤال كيف يمكن أن نمنع الكارثة التي ستحلّ بالعراق… وما الدور الذي يمكن أن يقوم به علماء الأمة ومفكّروها… كانت الفكرة الدعوة إلى تكوين حزام بشري من العلماء والمفكّرين حول بغداد قد يردع العدو على القيام بحماقته… كتبنا عريضة في ذلك توجهنا بها لرئيس الجامعة نطلب فيها السماح لأساتذة الجامعة بالسفر إلى بغداد كأول بادرة ستنهج جامعات أخرى على منوالها… قد يقول البعض هذه المخاطرة لو تمت لوفّرت للأمريكان القضاء على عقول الأمة مجتمعة… نعم كل شيء متوقع من الأمريكان ولكن في تقديري أن يستشهد العلماء على خط النار خير من أن يموتوا ببطء على خط جمع المال وأشياء أخرى أستحي من ذكرها. حتى لا أطيل عليكم، لم يتردد أبو يعرب لحظة وأمضى على العريضة.

الموقف الثاني. المجاهدون العرب الذين كنّا نفخر بدورهم البطولي في حرب البوسنة والهرسك أصبحوا بعد ذلك إرهابيين نتجنب القرب منهم… جاء أحدهم إلى ماليزيا وقد تقطّعت به الأسباب فقمت بجمع ما يستر به حاله فكان إسهام أبي يعرب مُجزيا حتى ظننت أنّه قد أخطا في الحساب، جعل الله ذلك في ميزان حسناته.

الموقف الثالث. عندما استقال أبو يعرب من حكومة السيد حمّادي… وقد فشلت في إقناعه بما لست به مقتنعا… تهاطلت عليه المكالمات الهاتفية من كل حدب وصوب قنصا لتصريح ينال من النهضة والترويكا… رفض أبو يعرب الاستجابة لها ولم يفعل كما فعل في وقت لاحق صغارو النفوس من قيادات النهضة.

وتلك هي حال الدنيا، أبو يعرب رجل الفكر والنبل والرفعة يحاكمه السفهاء والسفلة.

Exit mobile version