القاضي أحمد الرحموني
ربما يتذكر البعض أن أول إشارة إلى حوار وطني بين التونسيين قد وردت -ويا للمفارقة!- في بيان للرئاسة الفرنسية بعد مكالمة هاتفية بين قيس سعيد وإيمانويل ماكرون بتاريخ 2 أكتوبر الجاري، وقد أورد البيان الفرنسي على لسان قيس سعيد “أن الحكومة ستشكل في الأيام المقبلة وأنه سيتم إطلاق حوار وطني بعد ذلك مباشرة”.
وفي أول اجتماع مع حكومته بتاريخ 14 أكتوبر، عرض قيس سعيد لما سماه بالحوار الوطني (مع الإشارة إلى أن ماكرون قد أشار في نفس المكالمة إلى حوار تشارك فيه مختلف مكونات الشعب التونسي حول الإصلاحات الهيكلية المرجوة).
فهل كان يقصد فعلا ذلك الحوار الذي نعنيه واتفقت عليه كافة المجتمعات السياسية أم سيباغتنا -كما في كل مرة- بشكل جديد من الحوار السياسي؟
لعل اهم ما يمكن استنتاجه من حديثه عن الحوار في اجتماع الحكومة هو أن ذلك ربما يشبه أي شيء إلا الحوار الذي نعرفه (بمعنى انه نقاش بين أشخاص من بينهم شركاء وفرقاء سياسيون أو أيديولوجيون أو اجتماعيون أو اقتصاديون.. من أجل التوصل إلى اتفاق).
والغريب انه عندما يحاول أن يوضح لنا يدخلنا في حيرة!، فهو يؤكد انه “سوف يتم الحوار، وليس الحوار الذي تم في السابق (1و2)، لن يكون الحوار رقم 3، سيكون حوارا مع الشعب التونسي ومع الشباب التونسي” أي ربما يكون بدعة أخرى، وعلى الأحزاب (دون استثناء) والمنظمات (وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل) والموالين والمعارضين (من أصحاب الشياطين) وبالتأكيد حسب قوله “من تواطؤوا مع عواصم أجنبية.. ومن يتحفزون الفرص لتولي حقائب وزارية”، عليهم جميعا أن ينفضوا أيديهم مما يتوقعون (أو يتوهمون) انه حوار سياسي للخروج من “الأزمة” أو من “الحالة الاستثنائية”.
والذي يظهر أن قيس سعيد ، الذي لا يؤمن إلا بحوار مباشر دون وسائط حتى أنه بدا في اجتماع الحكومة منزعجا من جملة المبادرات التي تهاطلت بعد 25 جويلية، يتطلع إلى حوار مع “شعبه وشبابه” بعد إتمام ما سماه عملية الفرز بين “المنافقين والوطنيين” حتى يكون وفيا لتصوراته ولطريقة حكمه في ظل “تدابيره الاستثنائية”.
لكن، بقطع النظر عن مضمون الحوار مع نفسه، كشف قيس سعيد انه “سيصدر الأمر إن شاء الله في القريب العاجل (!) لتنظيم هذا الحوار مع الشباب ومع الشعب”.
وهي دون شك ثالثة الأثافي، التي تدفعنا إلى التساؤل: هل يقصد فعلا انه سيصدر بصفة انفرادية أمرا رئاسيا (في شكله) ينظم الحوار مع الشعب والشباب يضبط فيه إطارا قانونيا لمضامين سياسية!؟.
وربما تتخلل ذلك الحوار دروس ومحاضرات سياسية وتظاهرات يشارك فيها الشباب التونسي و”أنصار الرئيس” و”شعبه المختار “!