تدوينات تونسية

“العميد” خالد المرزوقي، يوم كان “رائدا” في تالة!

القاضي أحمد الرحموني

لم يكتف بأن تتم ترقيته من رائد إلى عميد بل وجد نفسه منذ البارحة (19 أوت الجاري) مديرا عاما لوحدات التدخل بقرار من الوزير المكلف بتسيير وزارة الداخلية تنفيذا لإرادة رئيس الجمهورية. من يتتبع تاريخ الرجل يجده على الأقل في حياته القريبة مطاردا من جهتين: المحاكم وأهالي تالة.

لمن لا يعرفون حقيقته، العميد خالد المرزوقي استحق ترقيته (أو ما يشبه التكريم!) عن “مآثره المحفوظة” لدى أهالينا بتالة كأحد المسؤولين عن القمع البوليسي في فترة أحداث الثورة.
سجلات المحاكم العسكرية وذاكرة الأهالي تشير إلى أن المسؤول الجديد كان مشرفا على سرية تمشيط وتدخل بمدينة تالة في النصف الأول من شهر جانفي 2011.
وقد تورط -على حسب تطور الأحداث- في قمع المظاهرات السلمية والدفع بتلك المدينة الآمنة إلى أجواء “مستحيلة” تسببت في قتل شهداء تالة من الشباب وإصابة جرحاها (8 جانفي) فضلا عن قيادته لدوريات المداهمات ليلا وترويع العائلات وإهانتها (11 جانفي).

ومن الثابت أن الأبحاث التي تولاها مكتب التحقيق العسكري بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بالكاف قد أدت إلى توجيه تهمة القتل العمد مع سابقية القصد إلى الرائد (حينذاك) خالد المرزوقي في قضية شهداء وجرحى الثورة بتالة والقصرين، ثم قررت نفس المحكمة إصدار بطاقة جلب في حقه.

وقد تم استنطاقه بحالة سراح بعد حضوره (لأول مرة) يوم 26 ديسمبر 2011 من قبل الدائرة الجنائية بالمحكمة المذكورة وقد نفى مسؤوليته عن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين متهما زميله المقدم البشير بالطيبي بقتل الشهيد وجدي السايحي (رحمه الله).

لكن مع كل ذلك لم يصدر الحكم الابتدائي بإدانته وانتهى استئناف الحكم لدى الدائرة الجنائية بمحكمة الإستئناف العسكرية بتونس إلى نقض الحكم الابتدائي بتاريخ 12 أفريل 2014.
لكن مسار التقاضي لم ينته إلى هذا الحد، باعتبار أن القرار الاستئنافي قد تم نقضه من قبل الدائرة العسكرية بمحكمة التعقيب يوم 29 أفريل 2015 مع إحالة القضية على الدائرة الجنائية الإستئنافية للنظر فيها بهيئة أخرى، وهو ما يفتح الباب لإجراءات جديدة من أطرافها المدير العام الجديد لوحدات التدخل.

ورغم أن ملف القضية لم يغلق على مستوى القضاء العسكري، فقد صدر في الأثناء القانون الأساسي عدد 17 لسنة 2014 المؤرخ في 12 جوان 2014 المتعلق بأحكام متصلة بالعدالة الانتقالية وبقضايا مرتبطة بالفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011، وقد اعتبر هذا القانون الاعتداءات المفضية إلى سقوط شهداء الثورة أو إصابة جرحاها انتهاكات جسيمة على معنى القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية. وتبعا لهذا القانون أحيلت قضية شهداء وجرحى الثورة بتالة والقصرين من قبل هيئة الحقيقة والكرامة على الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية المحدثة بالمحكمة الابتدائية بالقصرين التي لا زالت إلى اليوم متعهدة بالموضوع.

فهل يمكن أن نستنتج رغم هذا المسار الطويل أن الموضوع قد حسم!؟
وهل تستحق مدينة الثورة تكريم “أعدائها” ونسيان “شهدائها”؟!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock