الطيب الجوادي
هكذا أجبت قريبي الذي يسكن العاصمة، في حضور هنيّة، عندما سألني عن التوجيه الذي اخترته، زمّ شفتيه بطريقة تنمّ عن ازدراء وشفقة، التقطت هنية المشهد وظهر الاستياء على وجهها وبمجرّد مغادرة قريبنا سألتني وهي تقترب منّي وترمقني بنظرة من أمسكوه بالجرم المشهود:
- آ طفلْ، واشي ها اللاتر اللي مشيتلها؟ أخي مشيت مهني وما ڤلتش؟
وكان عليّ أن أفسّر لها المقصود بالاّتر، وأنا أزدرد ريقي بصعوبة وأستجمع شجاعتي - لاتر يمّة معناها آداب، لغات، نقرا عربي وسوري وانقليزي،،
قاطعتني كمن أصيب في مقتل: - هي اما تنجم تطلع طبيب والا مهندس،؟
- لا يمّة لا طبيب ولا مهندس، اكثر حاجة نطلع أستاذ
- أستاذ كي مبروك ولد معمّر، تي هاو عريان ڤريان، عاد كان عملت رسلة متاع غلم خير
الحقيقة أن كل من يعرف أنني “لاتر” في المعهد وخارجه، لم يكن يخفي احتقاره وإشفاقه على هذا الكائن البشري الذي يجابه العالم وهو لا يتقن غير بضاعة الكلام الكاسدة!،
بعد سنوات، تبيّن لي أن الذين يمسكون بالبلاد ويتحكمون في مصيرها هم جماعة “اللاّتر” الذين لا يملكون من مواهب وقدرات غير بيع الكلام والثرثرة، في حين يقبع ذووا الكفاءة العلمية في العتمة، ولا تتمّ الاستفادة منهم على الوجه المطلوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.