نور الدين الغيلوفي
صفاقس كانت مقبرة الدكتاتورية فهل تُدفَن بها البلطجة النقابية؟
القيادات المركزيّة النقابية أملى عليها صلفُها وضعف عقولها وسطحية أحلامها وضعَ روزنامة نضاليّة بولاية صفاقس، لم يشهد لها تاريخ العمل النقابيّ مثيلا، من أجل الضغط على السلطة القضائية هناك حتّى تنتهك العدالة لأجلها وتُفرج، بلا وجه حقّ، عن مجرمَين اثنين اعتديا بالعنف الشديد على الطبيب محمّد العفّاس نائب الشعب المنتَخَب بمجلس نواب الشعب…
هؤلاء الحرافيش تعوّدوا، بعد الثورة، العبث بمؤسسات الدولة.. استضعفوا الحكومات المتتابعة وتحرّشوا بالبرلمان ومرّوا إلى القضاء.. مارسوا جريمة موثَّقة وأرسلوا روايتهم لها وقد اعتادوا أن يكونوا هم الخصم والحكَم…
ولمّا كان العيان شاهدَ نفسِه فقد كُذّبت روايتهم للواقعة وقيد المجرمان إلى حيث يستحقّ المجرمون… ضجّ كهنة المعبد وتوعّدوا الدولة والمجتمع بحرب شعواء.. بل هدّدوا القضاء وأمهلوه.. غير أنّ القضاء اعتصم بالعدالة ولم يخضع لوعيد البلطجية فمرّت العصابة إلى إنفاذ وعيدها وبدأت بإضرام النار بمدينة صفاقس.. وقرّروا أن يُفتتح الحريق يوم الفاتح من جوان/ حزيران شهر الهزيمة…
غير أنّ المدينة العظيمة التي كان لها نصيب الأسد في تهديم معبد الدكتاتورية لم تنس عهدها مع التاريخ فأعادت سامي الطاهري إلى العاصمة بيد فارغة ووطاب خاوٍ وخيبة لن تغادره ما استمرّ عمره، أطال الله عمره.. لقد أطربه الحرافيش بالنغم المفضَّل لديه “يا غنّوشي يا سفّاح يا قتّال لرواح”.. فكفاه ذلك.. حتّى أصابته تخمة عاد محمَّلًا بها…
أمّا الجموع فلم تهدر بحضرته ولا سمعت من خطابه شيئا.. لقد سلبه إيّاها شقيقه في النضال عماد بن حليمة في ساحة باردو وتركه لأصابعه يقضمها ولخيبته يرجّعها…
تحرُّك صفاقس كان عملا رعوانيا دفن معه المناضل الكبير سامي الطاهري الاتّحاد كما لم يُدفن حتى في زمن بن علي…
كانت قوّة الاتحاد الموهومة “خيال ظلّ” يخوّفون به حكومات ما بعد الثورة.. وكان يمكنهم المحافظة على ذلك الخيال المخيف لو عقلوا.. ولكن يبدو أنّهم قد مضوا في تصديق القوّة المزعومة فكانت خطوة صفاقس صفعة كبرى كشفت حقيقة خيال الظلّ…
عاد سامي الطاهر من صفاقس مهزوما مأزوما لم يفرّج عنه كربته غير تدوينة خلفيتُها برتقاليّة (هيجان الدواعش وعواؤهم هو من ارتدادات وقفة حرائر وأحرار صفاقس.. ذكروني بمساء 12 جانفي).. لا علينا في الخطإ اللغويّ فهو ناتج ارتباك من انتفخ واطمأنّ إلى انتفاخه حتّى ثقبته شوكة اهتزّ لها فاختلطت لديك الأزمنة وارتبك اللسان والقلم…
لقد كانت تلك التدوينة العجولة العجفاء التي كتبها قبل أن يجفّ عرقُه من وعثاء السفر هروبا إلى أمامٍ أهوج لا عقل فيه…
يبدو لي كأنّ القيادات العظمى تعمل على سحق المنظمة لغاية لا أعلمها.. وإلّا لما كشفوا ظهرها وعرّوا ضعفهم وقلّة حيلتهم بعد جائزة نوبل للسلام…
البطل التراجيدي يحتاج خطأ جسيما يرتكبه تحلّ معه الكارثة وتنتصر الآلهة ليستتبّ لها الأمر.