الجمعة 14 مارس 2025
منجي الفرحاني
منجي الفرحاني

إنّي أتنفّس تحت الماء …

منجي الفرحاني

من أين سأبدأ والقلب يقطر وجعا على رجل لم أعد أرى ملامحه عندما أقف أمام المرآة لأواجهه ؟
– أنت لست مثلهم..
قال صديقي البهلول وهو يعدّ من واحد إلى عشرة باللّغة الإنجليزيّة وينسى في كلّ مرّة الثمانية فأذكّره فيبدأ من جديد ثمّ عندما يصل إلى السبعة ينساها من جديد ..
– أرجوك أكمل دون أن تبدأ من جديد، هل أنت مجنون؟!
يا صديقي آيت..
أومأ برأسه أن بلى وأكمل دون تكرار هذه المرّة:
– آيت .. ناين .. تان ..

فتح مذياعه القديم على عبد الحليم وهو يتنفّس تحت الماء ويغرق في قوافي قصيدة نزار قباني “رسالة من تحت الماء” التي لحّنها له محمّد الموجي قبل عقود، أخرج من بين علبه الخاوية دمية لرجل أسود ملامحه ليست غريبة عليّ، طرحه أرضا ثمّ وضع ركبته على رقبته فعرفته، إنّه الأمريكي الأسود الرّاحل جورج فلويد..
خيّل إليّ وأنا أنظر في وجهه وهو يغنّي: “إنّي أتنفّس تحت الماء، إنّي أغرق” بصوت جميل أنّني أغرق معه وأنّ صديقي البهلول مجرم قاتل يلبس قناع الجنون الجميل وهو في الحقيقة شرطيّ أبيض أسود أسمر أصفر أمريكيّ فرنسيّ عربيّ صينيّ صهيونيّ طائفيّ نرجسيّ يضع ركبته على رقاب الشعوب المغلوبة على أمرها حتّى لم تعد قادرة على التنفّس وآن لها أن تثور..
كسّرت على رأسه المذياع فسكت عبد الحليم وسال دم القصيدة واللّحن على رأس صديقي البهلول ولم يبقى إلاّ صوت جورج فلويد القادم من رسالة على مسّنجر هاتفي وهو يصرخ:
– لا أستطيع التنفّس .. لا أستطيع التنفّس.. لا تقتلني !
– I can’t breathe .. I can’t breathe .. Don’t kill me!

مسحت ما سال على وجه المرآة من دم قصائد منسيّة وألحان حزينة ولوحات عشق رسمت لغير أهلها ونظرت في وجه ذلك الرّجل عديم الملامح.. أدركت أنّ صديقي البهلول لم يمرّ بعد وأنّ جورج فلويد قد مات فعلا ولكنّه ترك القصيدة واللّحن والثّورة..

قلت لذلك الرّجل الغريب وأنا أمسح آخر قطرات الدم من على وه المرآة:
– برغم الوجع لازلت قادرا على رسم حلم حرّ كطيف النّسيم يغمر الكرة الأرضيّة ويكسر ركبة كلّ شرطيّ يتجرأ على عنق نفس بشريّة كرّمها الله تعالى.. هل لديك أقوال أخرى ؟
لم يجبني ولكنّه لمّا أدرت وجهي عنه وهممت بمغادرة المرآة، همس في أذني:
– ألازلت تحبّها ؟
قلت دون تردّد:
– الحبّ أسمى من شرطيّة عسليّة العينين نرجسيّة وجحود تمدّ ركبتها إلى عنقك وتفسد عليك الوطن..

وأخيرا مرّ صديقي البهلول يجرّ كعادته علبه الخاوية ولمّا سألته عن أحواله لم يجبني ولكنّه لمّا غاب بين المارّة سمعته يغنّي نفس المقطع “إنّي أتنفّس تحت الماء، إنّي أغرق”.. ثمّ رنّ هاتفي في تلك اللّحظة فقرأت الرّسالة: أمّا بعد فإنّي أريد ثمن مذياعي الذي كسرته على وجه المرآة…

✔ المنجي الفرحاني


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

منجي الفرحاني

جارتي لويزة

منجي الفرحاني  عندما جئت لأسكن في بيتي هذا في قلب المدينة قبل جوالي عام، لم …

منجي الفرحاني

الحرب على غزة في يومها الثمانين

منجي الفرحاني  الحرب على غزة في يومها الثمانين المصادف لنوال عند الإخوة المسيحيين وأنا أعرف …

اترك تعليق