السبت 19 أبريل 2025
فتحي الشوك
فتحي الشوك

رحلة في درب الشوك

فتحي الشوك

ما أشدّ وطأة ابتلاء التفكير والإبحار في عمق الأشياء والتعلّق بمعرفة الماهيات والتفاصيل، رحلة تيه وصيد لحقيقة لا تطال واستطراد لوهم المنال والتحصيل.
مضنية هي تلك الرحلة، مرهقة و مميتة تحت شمسها المحرقة أو في عتمة ليلها الطّويل، بشمعة تحتضنها بين أكفّيك وأحيانا بلا قمر ولا نجم ولا دليل.

تحتاج للحظة تستجمع فيها أنفاسك وتلملم بعض جراحك وتستجمع قواك فتجمع أشياءك المتناثرة وتنتصب لتستأنف المسير وتسأل عالمك الّذي ألفت مرّة أخرى الرّحيل. سفرة أخرى في بحر لجيّ بقارب قديم تلاطمه الأمواج العاتية فتلقيه ركاما على شاطئ المجهول.

توقظك ضوضاء عقلك وأزيز محرّكاته الًتي لم تهدأ ولم تصب كباقي مناطق جسدك بعطب أو تعطيل ومدخنته لم تتوقّف عن نفث دخّان الأفكار الميّتة بعد أن تركت مكانها لأخرى تدخل في دورة الحياة لترمى بعد حين.

تستجدي عقلك بعض الرّاحة فيأبى ولا ترى منه سوى صدّا، حزما ووعيد وصفّارة تدوّي استعدادا لرحلة أخرى وتعب جديد… تمهمه وتغمغم.. أيّة وجهة وأيّ سبيل ؟ فيتجاهل سؤلك وكأنّه يصرّ على أنّ المهمّ استكمال الطّريق نحو المصير… تلامس تضاريس وجهك فتتلمّس فعل العواصف وأثر السّنين وتتحسّس نبض قلبك فيبوح لك بالوجع الدّفين ويتأوّه متوسّلا بلا أنين: الى متى التّيه… ومتى اليقين؟

تسائل نفسك عمّا تريد وهي الّتي هجرت راحة الجاهلين واتّجهت نحو ما لم تصبه، لذّة العارفين فغرقت بين المنزلتين تتلظّى بنار الشّكوك وتخرقها سهام الظّنون لتحوّلها إلى خرقة بالية تذروها الرّياح فتلقيها في فوهة بركان يقذفها ككتلة ملتهبة على ضفّة نهر، كرة نار، هواء، ماء وطين… وصرخة أخرى كصرخة جنين.. ودبيب حياة وشهيق وزفير وقلب يستعيد خفقانه وعقل لم يتوقّف للحظة يصمّ الآذان بالأزيز والطّنين ونفس تتشكّل وتتحفّز للقفز مجدّدا في درب الشّوك وقد تراءى لها في نهاية النّفق حفنة ضوء.. قد يكون اليقين.

د. محمد فتحي الشوك.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

فتحي الشوك

لا يواجه هذا “الجنون” إلّا بقدر من التحدّي المجنون

فتحي الشوك بعضهم لم تستفزّهم تصريحات ترامب الوقحة والفجّة بقدر ما أثارتهم كلمات أحمد داوود …

فتحي الشوك

لنبحث لحيواتنا عن معنى

فتحي الشوك انتحار كهل أربعيني شنقا في جبل جلود، شاب يضرم النّار في جسده في …

اترك تعليق