Site icon تدوينات

بشرى العيد استئناف الأمة لدورها الكوني 2

أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي

1. لما بدات يوم العيد مباشرة بعد الفجر لم أكن أتكلم في ما هو من الغيب بل من الغائب. الغيب محجوب على الإنسان في عالم الشهادة لكن الغائب شاهد بالقوة وهو قابل للتوقع انطلاقا من المعطيات التي تستند إلى مبدأ الاطراد في سنن التاريخ (التي لا تتبدل ولا تتحول) وفي الثابت من قوانين الطبيعة.

2. اكتفيت بالكلام على البشارة ولم أعللها بما استمددته منها بالاستناج المستند إلى هذين المبدأين مبدأ سنن التاريخ ومبدأ قوانين الطبيعة وهما مبدآن يتطابق فيهما رأي الدين الإسلامي بدليل ادلة القرآن ورأي الفلسفة بدليل كلامها على الضرورة في قوانين الطبيعة والتاريخ المعتمدة عليها فيها.

3. وهذا التعليل هو ما أنوي الكلام فيه الآن. لكني أريد أن أضيف مبدأ يترتب على نظرية الأحياز التي وضعتها أو لنقل التي استنتجتها من الباب الأول من مقدمة ابن خلدون مع اضافات نتجت عن عملية الصوغ النسقي الذي لم يتنظم انتظاما واضحا في المقدمة التي كتبت على عجل ومراجعاتها كانت مضمونية وليست بهدف البناء النسقي رغم أن خطة المصنف فيها شيء من ذلك.

4. إذ هو استعمل معيار تراتب الضروري والحاجي والكمالي من شروط قيام الجماعة. لكن ذلك لا يكفي لتحديد النسقية النظرية التي تجعلها علما قابلا لاستنتاج كل المضمون من عدد محدود من الحدود البسيطة وقوانين تواليفها. والمبدا الذي أضيفه هو تراتب تأثير التاريخي والجغرافي بحسب المديين الزمانيين للتاريخ القصير والتاريخ المديد وعلاقتهما بالطبيعة والتطبع (والثاني أهم عند ابن خلدون لأنه يترتب على دور الحرية الشرطية والكمالي فيها أهم من الضروري بنفس العلاقة بين قيمة الاستعمال وقيمة التبادل في الاقتصاد).

4-1. فالحضاري إذا طال به العهد يجعل التاريخ الحي المديد مقدما على الجغرافي في التأثير لأن التراث والثروة المرتبطين بتفاعل التاريخي والجغرافي يصبحان جزءا من الأحياز القائمة في الذات نفسها أي في بدنه وفي بنيه ذهنه أو العلاقة بين الفطري والمكتسب فيكون كل كسرفي الجغرافيا الخارجية قابلا للجبر لكأنه لم يحدث أصلا إذا كان ذا تاريخ مديد. وما نشهده حاليا هو شبه موت حدود سايكس بيكو التي محاها التاريخ المديد: وهي أزمة وجودية للانظمة القطرية على أرضية الوحدة التاريخية والثقافية واللغوية مثلا.

5. كانت استراتيجية الاستعمار تفتيت الجغرافيا بتكوين حدود بين دويلات لا يمكن في الحقيقة ألا تكون إلا محميات وتوابع. وكان المطلوب ممن نصبوا عليها أن يستعملوها لتشتيت التاريخ بحيث تصبح كل محمية ذات تاريخ مغاير لتاريخ جارتها ومن هنا العودة إلى ما تقدم على تاريخ الإسلام بحثا عن شرعية تراثية مستمدة من عرقيات وحضارات سابقة على توحيده الشعوب والجغرافيا والتاريخ وكل أبعاد الحضارة.

6. كان الهدف أن يكون العراقي عراقيا بابليا أكثر من كونه عراقيا مسلما والمصري مصريا فرعونيا أكثر من كونه مصريا مسلما والسوري سوريا سوريا فينيقيا أكثر من كونه سوريا مسلما: كان الهدف احداث قطيعة تاريخية تضفي الشرعية على الحدود التي وضعتها سايكس بيكو. وتضاعف الأمر في ما احتلته روسيا.

7. الخلافة العثمانية التي فقدت ما احتلته روسيا وما استرده الغرب في القرون الثلاثة الاخيرة لما ضعفت والتي فقدت ما فرضته سايكس بيكو في القرن الماضي توجد اليوم بين الظاهرتين أعني رمزي عودة التاريخ الذي هو بصدد جبر الكسور. 1-الأولى جبر الكسور التي حصلت في القرون الثلاثة الماضية.2- والثانية التي حصلت في القرن العشرين. وجبرهما يعني عودة دور تركيا في ما فقدته. وذلك من مكر الله الخير وعلته خطأ استراتيجي غربي لعدم فهم سر القوة الروحية التي يمثلها الإسلام الذي كتب الله ألا يهزم أبدا.

8. فالغرب أراد توظيف الإسلام ضد السوفيات فأحيا الوحدة التاريخية في مستعمراته الإسلامية أي في ما سلب من دور الخلافة في بلاد الإسلام التي استتبعها. والغرب وظف الأقليات والطائفيات في سايكس بيكو ليبقى الحكم بينها في المحميات التي حدد جغرافيتها السياسية فاضطهد الاغلبية السنية وأحيا لحمتها الروحية. وهذان الخطآن حالا دونه والوصول إلى هدفه.

9. ووظيف رديفين لهذه الخطة كلاهما داء جرثومي فشل في التغلب على مناعة الأمة الإسلامية ورمز فشله حصل في تركيا كذلك: الرديف الأول هو القومية العرقية وقد بدأت في عقر دار الخلافة ثم عمت دار الأسلام وخاصة في الأقليم العربي. والرديف الثاني هو العلمانية اليعقوبية وبدأت كذلك في عقر دار الخلافة بوصفها بديلا من هوية تركيا الإسلامية وتاريخها الحضاري والروحي.

10. وقد يكون الغرب قد غفل عن التناقض بين الأداتين الأوليين وهذين الرديفين. ذلك أن استعمال الإسلام ضد الاتحاد السوفياتي يتنافي مع العلمنة واستعمال الدولة القومية العرقية ضد التاريخ الإسلامي يتنافى مع اعتماد الاقليات العرقية والطائفية في نفس المحمية لأن ذلك يحرك الأغلبية المضطهدة. صحيح أنهما يبدوان متكاملين في منع الاستقرار ويحوجان إلى المستعمر في دور الحكم الـ”حزاز” وموقد نار الحرب الأهلية الدائمة باردة كانت أو حامية.

11. لكن الرديفين ينتهيان إلى فرز مناف للقصد الاول من القومية العرقية والعلمانية اليعقوبية. فالأقليات العرقية في الأقطار تكون مجموعات كبرى متجاوزة لحدود الأقطار التي فرضها. والطائفيات تؤدي إلى تكوين مجموعتين تجعل السنة من كل الاقوام تتعاون فتضعف الأقليات التي ظن أنها ستكون عامل زعزعة دائمة تحوج إليه حكما في محمياته. فمثلا سنة العراق وسنة سوريا كلتاهما مضطهدة وهو ما يعيد اللحمة بينهما رغم الحدود المضطنعة.

12. وشاء مكر التاريخ أن يعيد الكرة إلى ما يشبه الحاجة إلى نفس الخلافة التي كانت مستهدفة بالخطتين والرديفين والتي صار بوسعها بعد تطور الفكر السياسي ألا تفكر في العودة إلى الخلافة بشكلها القديم بل هي تحاول أن تتجاوزها بما يحقق نفس الغاية منها ولكن بأسلوب حديث وهو نوع من الكنفدرالية الإسلامية التي تحافظ على الأقطار وتؤسس لما يجمع بينها شرطا لقوتها ونهضتها رحاية وحماية. ويمكن القول إن الولايات المتحدة مآلها سيكون هذا نموذجه بمجرد أن يقرر ذوي الأصول الاسبانية والافريقية استعمال لغاتهم بدلا من الأنجليزية.

13. والغريب أن الغرب الذي نزع منها هذا الدور هو الذي أرجعه لها طبعا بغير قصد. وهو ما جعلني أصف ذلك بمكر الله الخير إذ حدث ذلك بسبب خطأيه الاستراتيجيين ورديفيهما. فالعلمانية فشلت في تركيا مرتين:

  1. فشلت في اقتلاح روح الشعب التركي الاسلامية لغلبة التاريخ الإسلامي فيها.
  2. وفشلت في تحقيق القوة والسيادة لفشل النظام العلماني التركي في تحقيق ما حققته النظام الذي عاد إلى هوية تركيا. فلما استعادت هويتها حققتهما ماديا وروحيا فتوفرت لها شروط تمكنها من استعادة دورها التاريخي.

14. وإيران الشاه حاكت تركيا أتاترك. لكن التخلص من سياسته فشلت مرتين.

  1. فما عادت إليه بعد الشاه ليس متسقا مع التاريخ الإسلامي بل مع ما قبله بعد أن انتقلت من السنة إلى التشيع في القرن السادس عشر في النظام الصفوي وهو ما عادت إليه حربا على السنة عامة والعرب خاصة.
  2. فحصل فيها ما حصل عند العرب لما نكصوا إلى القومية العربية أي وثنية جاهلية عربية عندهم وفارسية عند إيران وكلتاهما من تاريخ غير إسلامي بخلاف ما يحدث في تركيا لأن الأتراك لم يدعوا أن لهم تاريخا قبله يفضله.

15. فما يصل العربي في العراق بالبابلين والعربي في مصر بالفراعنة والسوريين بالفينيقيين واليمنيين بسبأ والتونسيين بقرطاح حجارة قد يكون لها دورسياحي لا أكثر. لكنها لا تحرك وجدان الشعوب إذا ما استثنينا بعض “السنوب” أي المباهين بحداثة قشرية من الاغنياء الجدد لأنها تراث ميت لا يجري في عروق الشعب ولا يؤسس استئنافا تاريخيا فعليا لأن وجدان الشعوب إسلامي ودورها التاريخي إسلامي بالجوهر وخاصة في الطبقات الشعبية التي هي تربية كل حضارة حية.

16. ما نجحت فيه تركيا منذ وصول ذوي الميل المحيي لتراث تركيا الإسلامي فشلت فيه إيران لأنها عادت إلى غيرهويتها التاريخية الحية التي حاولت الصفوية القضاء عليها وعوضتها بهوية ميتة هي هوية الأكاسرة حتى وإن غطتها بكذبة آل البيت في الأقوال. لكن ما عادت إليه مجرد حجارة مثل حجارة الفراعنة وسبأ وبابل والفينييقين والقرطاجنيين والرومان في أرض العرب فلم تعد لهم صلة بالتاريخ الحي المتعين في كيان الإنسان عضويا وروحيا.

17. وطبعا كان مصير العرب دون مصير إيران التي حاكى شاهها أتاترك رغم ما يتوهمه قادة ايران الذين يدعي الكثير أنهم دهاة وهم عندي من اغبى خلق الله وإلا لما توهموا القدرة على تذويب عروبة الاقليم الذي يرونه من حقهم لأن جله كان مستعمرا من الأكاسرة قبل الفتح ولم يفهموا أنهم اقلية حتى في إيران نفسها: فالعرقية لو طبقت في إيران فلن يكون الفرس أكثر من ثلث الشعب في ما يسمى بدولة الملالي.

18. أما العرب فإنهم يراوحون بين وهمين. فإما أن يزيفوا ما تقدم على الأسلام ليدعوا مجدا ليس له ما يصله وصلا حيا بتاريخهم الحي أي الإسلامي أو أن ينتقلوا بالطفرة من بداوة الأعراب الذين نكصوا إلى الجاهلية إلى علمانية الغرب بقيادات سياسية وثقافية لا يتميزون إلا بالحمق والغباء -لا وجه للمقارنة بين صاحب المنشار وأتاترك فالاول أحمق ونزق والثاني بطل حقيقي في تاريخ الامة قبل تطرفه العلماني- ليكتشفوا مثل ما اكتشف الأتراك بعد ما يقرب من قرن استحالة ذلك فتفوت العرب كل القطارات التاريخية وحينها سيفهمون أن تاريخهم الحي الوحيد مثل ما فهم الأتراك هو التاريخ الإسلامي.

19. فحتى لو صدقنا أن البابلين والفراعنة والسبئيين والفينيقيين والقرطاجيين عرب أو لهم علاقة بعرب اليوم -وهي كذبة مطلقة- فإن ذلك لا يجعل هذا الماضي الميت حتى لو بقي له وجود في الآثار لأن التاريخ ليس بكاء على الأطلال يمكن أن يحرك وجدان الشعوب حركة قادرة على تاسيس نهضة واستئناف تاريخ حي يجعل منهم قوة معتبرة في التاريخ الحديث. وهم لم يدخلوا التاريخ إلا بفضل الإسلام.

20. ولا فرق بين العربي والتركي والكردي والأمازيغي والافريقي من حيث العلاقة بالتاريخ الحي وخاصة التاريخ الذي وصل إلى الكونية لأنهم جميعا لم يصبح لهم دور في التاريخ العالمي والحضارة الكونية إلا بفضل دورهم في الأسلام. وكل حركة احياء ونهضة تعتمد على مجد سابق ولو باختلاقه من عدم بشرط أن يكون أرقى من واقعهم كما فعلت شعوب أروبا التي لاعلاقة لها بروما وباليونان لأنهم قبائل بدائية من أقاصي أوروبا الشمالي.

21. ويبدو أن الغرب قد فهم خطأيه وفهم رديفيهما. ففكر في خطة أخرى شيطانية هي الحرب المباشرة ليس على الأحياز المحيطة بالإنسان والقائمة في كيانه فحسب بل فكر في تجفيف المنابع بالحرب المباشرة على الاسلام بالتشويه المادي (الارهاب) والرمزي (أنصاف المثقفين مثل طبالي بلحة وصاحب المنشار). وتلك هي علة النخب العميلة التي ليس لها من هم غير هذه الحرب ولعل ما حاوله أتاترك وما حاوله اليسار العربي في كل بلاد العرب هو من هذا الجنس وهو عسار وليس يسارا.

22. فكانت الضربة القاضية لكل خطط الغرب لأن أثرها كان نقيض ما خطط له. فداعش على علاتها حققت عكس ما ظنوها ستحققه. إذ هي اخترقت الحدود وأجبرته على اختراقها في مقاومتها. وكذلك فعلت الدمى التي من جنس صاحب المنشار وبلحة وحفتر واللسون (النعجة وليس الأسد) والمعتوه رئيس لبنان وكل الذين أطاحت بهم الثورة فضحوا المشروع بمجرد كونهم على ما هم عليه: ما كان عبد الناصر وقيادات عسكر مصر يخفونه تجلى فيهم.

23. رداءتهم الشخصية وعمالتهم التي لا جدال فيها وتبعيتهم المفضوحة وفسادهم يعتبر مضرب الامثال وحمقهم الذي لا مثيل له ونذالتهم في التعامل مع شعوبهم وأميتهم الثقافية وضحالتهم الفكرية كل ذلك يستفز الشعوب ويجعلها تقارنهم بأمجاد الماضي ورجالته الذي كونوا دولة الإسلام الكونية وحققوا شروط العظمة. وهذا الفرق الجوهري بحد ذاته كاف لانتهاض ما اراد الغرب قتله: ولعل أفضل مثال تشبث الجزائرين بكل أعراقهم بهويتهم الإسلامية أكثر من كل شعوب الخليج مثلا رغم انها لم يفرض عليهم الاستعمار ثقافته بإرهابه كما حصل في الجزائر.

24. والدليل القاطع على أمرين لاجدال فيهما هو: 1- كره كل الحكام العرب لأردوغان 2-واعجاب كل الشعوب العربية بشهامته ونجدته للمسلمين في كل مكان. ولو كان ذلك بالأقوال ما كرهه الحكام ولما اعجبت به الشعوب. إنما كانت نجدته بالافعال لأنه يقول ما يفعل ويفعل ما يقول وبالادلة الاقتصادية والثقافية والتقنية والعلمية والجرأة السياسة. وطبعا من الحمق لومه على الربط بين دوره هذا ومصلحة تركيا لأن الأمرين مترابطين بالجوهر: عظمة تركيا الماضية ليست لأنهم أتراك بل لأنهم أتراك مسلمون.

25. فلولا زعامة قيادة تركيا الحالية لتوقفت الثورة السورية بعد تدخل إيران حتى قبل التدخل الروسي. لكن الثورة طاولت حتى بعد هذا التدخل وما تزال بعنفوانها. وما كان ذلك يكون كذلك لولا سند تركيا وفتح حدودها للنازحين ومساعدتهم. ولولا تركيا لكان جل زعماء الثورة المصرين في سجون بلحة وكل رجال الخليج المخلصين للامة قد نشرهم أحمق السعودية بأمر من مجرم الإمارات. صارت تركيا ملجأ الثورة منذ بدايتها وهو أمر مشابه لما حصل في القرن التاسع عشر عندما كان زعماء مقاومة الاستعمار يلجأون إليها.

26. وما كانت ليبيا لتنتصر ضد كل مليشيات العالم بمن فيهم مليشيات روسية وفرنسية لولا تدخل تركيا. وطبعا تركيا ليست “تكية” تعمل من دون أن يكون ماتعمله من مصلحتها أيضا. لكن الملفت في الأمر هو أن من حمى ضفة المتوسط الجنوبية من حرب الاسترداد في القرن السادس عشر لئلا يكون مآلها مآل الاندلس هو عين من يسهم الآن في حمايتها ضد إرادة أوروبا مواصلة الاستعمار.

27. ومهما كانت بسالة شعب سوريا وشعب قطر وشعب ليبيا وحتى مناورة شعب تونس لعدم الوقوع في ما وقعوا فيه فإنها في النهاية كان يمكن أن تهزم مثل شعب مصرضد الطغيان وفقدان السند. لكن مساعدة تركيا التي تعافت في العقين الأخيرين كانت طوق النجاة لقطر وثورة سوريا وثورة ليبيا وحتى ثورة تونس وعودة الصومال من جديد وستزداد الانبعاثات التي توقعتها في محاولة سابقة في كلامي خاصة على الزلازل الخمسة التي توقعتها.

28. فلكأننا صرنا في لحظة شبيهة بنيويا بلحظة قبيل الحرب العالمية الأولى. ولكنها بعكسها لكانها الوجه الثاني من نفس العملة: فتركيا لم تبق الرجل المريض الذي ينفعل ويرد الفعل بل صارت الرجل العملاق الذي يفعل. ولا يمكن أن تخيفه القوى المتربصة به وبالمسلمين وخاصة بعد أن فكرت في جمع صف القوة الصاعدة من الأمة في كوالالمبور: فاستئنانف اردوغن لمشروع اربكان إن تحقق سيجعل الامة من قوى العالم العظمى. وحتى قطر رغم صغر حجمها يمكن أن تصبح جزءا من استعادة مجد الامة وخاصة إذا تكفلت بتعميم العربية على شعوب الدول الخمسة المشاركة في المشروع للوصل بين التراث المشترك السابق ومستقبل مواصلته بلسان القرآن.

29. ولألخص الآن المعطيات التي جعلتي أكتب في فصل أول البشارة فجر اليوم بشارة عيد الفطر المبارك وأواصل استكمالها في هذا الفصل الثاني:

  1. علامة أولية هي النصر في ليبيا وهو نصر سيكتمل لأخراج عميل الاستعمار من بنغازي ومن كل ليبيا.
  2. هروب فرنسا وستليها روسيا منها لأنها لن تستطيع رفع التحدي في ليبيا. وإذا خسرت ليبيا فستتردت في خوض حرب في سوريا.
  3. فتكون هزيمتها في ليبيا مؤذنة بالزلزال الثاني في سوريا لأن النصر في ليبيا سيكون رادعا ولن تغامر روسيا إذا عجزت فيها.

30. لكن حدود سايكس بيكو 4- التي زالت فعليا وفقدت تأثيرها القوي -حتى من اجل مشروع سايكس بيكو ثانية يريدها المستعمر-في أحداث الأقليم السياسية والحربية إلا صوريا وزال أثرها الفعلي في التاريخ 5-وأخيرا فإن تركيا بدأت بنموذح لرؤيتها لما يكون عليه الاعتراف المتبادل بين أهل الأقليم. فالنظام الحالي بدأ فسوى بين مواطنيه التركي والكردي والعربي فقتل جرثومة القومية وأنهى العلمانية الملحدة باستعادة الهوية الحضارية الإسلامية وإن بتدريج خوفا من الانتكاس.

31. تلك هي المعطيات التي بنيت عليها بشرى فجر اليوم الأول من عيد الفطر. والبشرى تعنيني شخصيا لأن كل مناي كان ولا يزال أن أرى هذا اليوم قبل أن يأخذ الله أمانته. فأسعد يوم في حياتي سيكون -في حياتي أو بعدها- أن تتكون “ولايات الوسط المتحدة” تجمع ألشعوب الخمسة التي مثلت أركان دولة الإسلام الكونية لتصبح ألأمة على الاقل في اقليم ملتقى القارات العتيقة الثلاث مركزا يمثل قوة المسلمين وعزتهم.

32. فدولة الإسلام بدأت بالعرب واتهت بالاتراك. ولن تستأنف من دون الحلف بين أصحاب البداية واصحاب الغاية بعد أن ظنوا أنها خاتمة نهائية باسضعاف تركيا في أم قراها الاخيرة. وبين البداية والغاية قبل الاستئناف شارك في حمايتها والدفاع عنها ثلاثة شعوب اخرى لا يقل دورهم أهمية عن دور العرب والأتراك: الكرد والأمازيغ والأفارقة.كل من عداهم كان رديفا وليس أصلا في دولة الإسلام.

33. ولا احتاج للتدليل على دور العرب والأتراك. فتاريخ الدولة الإسلامية يمكن قسمته إلى مرحلتين عربية إما فعليا أو رمزيا ثم تركية إما فعليا أو رمزيا. والخلافة بدأت بالعرب وانتهت بالاتراك. والثلاثة الباقون كانوا حماة أشاوس. فالاكراد ساهموا في تحرير فلسطين بالأفعال والصدق وليس بالأقوال والكذب مثل إيران التي تستعملها لدغدغة الرأي العام العربي و مفاوضة الغرب على دور تطلبه في الأقليم.

34. والأمازيع حموا الاندلس نصف عمرها الثاني وحموا الضفة الجنوبية بمساعدة الخلافة العثمانية ضد حروب الاسترداد التي كانت تريد استعادة الضفتين من المتوسط كما كانت تريد الصفوية المتحالفة مع البرتغال استرداد ضفتي الخليج العربي وضرب الخلافة من خلف لمنع تقدمها في الفتح الذي شغلتها عنه. وهو عين ما تفعله إيران حاليا لأنها في الحقيقة حليفة الغرب وإسرائيل في الحرب على سنة الأقليم كلهم عربا وتركا وكردا وأمازيع وافارقة.

35. ومسلمو افريقيا كانوارديفا اساسيا لأهل شمال افريقيا في مقاومة الاستعمار الذي بدأ مع حروب الاسترداد وغزو أرض الإسلام في افريقا وآسيا وأوروبا. لكن هذه الشعوب تحتاج اليوم للاعتراف بدورها وجذبها للعودة إليه تقوية للأمة واستعادة لمجدها الذي هو المجد المشترك لهذه الشعوب تآخيا في الله. ذلك أن الاستعمار أخرجها من ثقافتها الإسلامية بفرض لغته عليها مستفيدا من تعدد لهجاتها وحاجة الدولة الحديثة للغة موحدة (كالهند في آسيا مثلا).

36. عللت البشرى. فلأعلل الآن الزلازل الخمسة مرة ثانية. ذكرتها بالترتيب التالي:

  1. زلزال ليبيا وقد حصل.
  2. ثم زلزال سوريا لأن جزأه الاول حصل وهو منع تقسيم سوريا بتكوين اسرائيل ثانية لعلمانيي الكرد.
  3. ثم زلزال السودان لإنهاء الخدعة التي قام بها الشيوعيون.
  4. ثم زلزال اليمن للوصل بين القرنين قرن افريقيا وقرن الجزيرة العربية ويتبعهما الخليج كله وافريقيا الإسلامية.

37. فإذا تم ذلك صار القرنان قرن افريقيا (الصومال) وقرن الجزيرة (اليمن) منصة لتحرير الخليج كله 5-فيصبح بلحة عريان ودون رزفيسقط كما تسقط البلحة الخامجة من النخلة. تلك هي الزلازل التي ستحدث تباعا وبهذا الترتيب بإذن الله لأنه لم يعد شيء يقع في الأقليم من دون التفاعل بين شعوبه كلها وبتسلسل منطقي: الثورة المضادة بدأت بأقلمة الحرب التي تجاوزت الحدود والثورة لن تنجح من دون أقلمة تتجاوز الحدود التي فرضها التفتيت الاستعماري لجغرافية الامة.

38. والمعلوم أني لا أسمي علما نظرية تفسيرية لاي ظاهرة ما لم يتحقق فيها التطابق النسبي في المعرفة الإنسانية بين المفهوم والماصدق من التصورات التي اضعها لتحديد الظاهرة التي أدرسها وفي حدود فاعلية التحديد الذي قد يتغير لأن كل تحديد في النظريات العلمية متطور وهو علة تاريخية المعرفة الإنسانية. ولما كنت اعتقد أن التاريخ له سنن لا تتبدل تحكم هذا التغير والتطور فإن ما هوبصدد الحدوث في الاقليم حاليا هو جبر كسور أحيازه في محيط الإنسان وفي كيانه.

39. والكسر ينجبرإذا كان الطبيب الجبار على دراية بالاستراتيجيا السياسية والعسكرية. واعتقد أن قيادات الثورة وقيادات تركيا اليوم ليسوا غافلين عن هذين النوعين من الاستراتيجيا: وما أكتبه هدفه توضيحها لأن آفة الشعوب هي سيطرة العاجل وتجاهل الآجر حتى يصبح عاجلا وتلك هي علة سياسة رد الفعل بدل الفعل. فهم يعلمون كيف يطاولون في الحرب وكيف يناورون في السياسة بصورة تجعل من الضعف المادي الظاهر قوة روحية باطنة لا تقهر.

40. أعتقد أني قد وفيت بما وعدت به. لم تكن البشرى مجرد كلام بل هي مبنية على نظرية متينة آمل أن يكون الله في عون الامة لتحقيقها سواء بالترتيب الذي أرجحه أو بترتيب قريب منه لطاريء ما لم أقرأ له حساب في توقعي لكنه لن يبعد عنه كثيرا لأن المهم هو أن تحدث هذه الزلازل الخمسة فتنجح الثورة والاستئناف. وهي واقعة لا محالة لأن الأحداث التاريخية في السياسة أشبه ما يكون بالاحداث الزلزالية في جغرافيتها. الأرض في زلزال دائم جيولوجيا وسياسيا.

Exit mobile version