زهير إسماعيل
“مغرب عربي ديمقراطي” من المصطلحات المفيد إدخالها إلى خطابنا السياسي اليومي في وسائل التواصل الاجتماعي. والأفضل أن تدور العبارة في وسائل الإعلام السمعي البصري.
العبارة لم تأت مجرّد “شهوة” وأمنية تعبر البال وإنّما هو أفق سياسي تقوم عليها مؤشرات عدّة في سياق صراع الثورة والثورة المضادّة المحتدم في المجال العربي، ومنها المنعرج المهمّ في المشهد الليبي نحو الحلّ السياسي والانتقال إلى الديمقراطيّة بعد انكسار حفتر. بالإضافة إلى تحولات المشهد السياسي الجزائري. وقد أمكن فيها للحراك الشعبي أن يفرض الصراع السياسي مقدّمة إلى فرض إصلاحات سياسيّة. كوان الصراع بين النظام والحراك لا يخرج عن شروط هذا الإصلاح.
ولئن كانت الكورورنا سببا في قطع نسق الحراك وإضعاف الحراك الذي كان قاب قوسين أو أدنى من فرض شروطه، فإنّ التوجّه إلى تسوية تاريخيّة كبرى يفرض نفسه وتبدو عليه عديد المؤشرات.
وفي كلّ الأحوال تمثّل الجزائر ثابتا استراتيجيّا في منطقة المغرب العربي نرى صورته في الملفّ الليبي. فموقف الجزائر أيّا كان وضعها السياسي مضادّ لتدخّل مؤثّر لجيران ليبيا من الجنوب (مصر خاصّة). وكان الموقف الجزائري من الأسباب الرئيسيّة التي منعت تقدّم الثورة المضادّة في ليبيا رغم توسّع محور الشر الذي يدعمها.
الموقف الجزائري الذي تمليه الاستراتيجيا وتقاليد ديبلوماسيّة عريقة غطّى بداية من 2014 على غياب الديبلوماسيّة التونسية عن الملفّ الليبي. وهو غياب اجتمعت له أسباب عديدة جلّها ماثل في محيط الرئيس الباجي (مرزوق، بن تيشة، الجهيناوي…) الذي كان لا يُخفي ميله إلى حفتر في إطار مقاربته لمآل الانتقال الديمقراطي. وهي مقاربة تتقاطع مع الثورة المضادّة وأجندتها. وهذا ما سمح للحفتريش بأن يدخل مدجّجا بسلاحه إلى تونس وإلى القصر الرئاسي رمز سيادتها. وقد يكون لشخصيّة الرئيس الباجي دور في كبح جماح هذا التوجّه الاستخباراتي في خدمة الثورة المضادّة الذي أراده محيطه للديبلوماسيّة التونسيّة.
ومن هذه المؤشّرات على فكرة مغرب عربي ديمقراطي المناخ السياسي بالمغرب. فالنظام في المغرب استفاد من الربيع فبادر إلى إصلاحات مهمّة قطعت الطريق إلى حدّ ما على حراك الريف. ورغم أنّه عمد إلى تخفيض سقف الإصلاحات ومنسوب الحريّات، مع تراجع الثورة في المجال العربي بداية من 2013 بالانقلاب على ثورة 25 يناير وتحوّل الثورة في سورية واليمن إلى حرب أهليّة. فإنّ هناك حياة سياسيّة تعدّدية وانتخابات ديمقراطيّا وتداولا على الحكم في ظل الملكيّة مكّن حزب العدالة والتنمية ذي المرجعيّة الإسلاميّة من ترأس الحكومة منذ سنوات. وتمرّ علاقة المغرب والإمارات بتوتّر شديد نتيجة تدخّلات بن زايد في الشأن الدخلي المغربي.
ورغم أنّ المشهد السياسي في موريتانيا واقع تحت تأثير الاستبداد والثورة المضادّة الخلجانيّة فإنّ غَناء الطبقة السياسيّة في موريتانيا وتمرّسها الحقوقي والسياسي يرشّحانها باتجاه فرض إصلاحات سياسيّة أساسيّة وتدشين انتقالا نحو الديمقراطيّة.
مغرب عربي ديمقراطي فكرة توحي بها بوادر ميل الكفّة لصالح الثورة والديمقراطيّة وانحسار الثورة المضادّة..
مغرب عربي ديمقراطي أفق نفتحه للعمل عليه وردّا على محاولات الفشلة من شراذم القديم من بقايا التجمّع الفاشي والبوليس السياسي وإعلام العار في استهداف الدولة والديمقراطيّة. فهم أضعف من أن يزعزعوا مسارا بدأ يترسّخ. مغرب عربي ديمقراطي يمكن أن يكون قوّة سياسيّة اقتصاديّة وثقافيّة وازنة لها مكانتها ودورها في إعادة بناء توازنات المرحلة القادمة، ويكون الإطار القادر مع الوقت، وفي إطار النظام الديمقراطي، على استيعاب مشاكل تاريخيّة سليلة نظام الاستبداد التابع… فيكون الرهان الديمقراطي في مستوى المغرب العربي إلى جانب طابعه السياسي رهانا اقتصاديّا ثقافيّا استراتيجيّا…
مغرب عربي ديمقراطي… عبارة يجب أن تتردد علامة على انتصار مرحلي مهمّ على الثورة المضادّة البائسة…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.