عادل بن عبد الله
بعيدا عن السخرية من كلام سفيان بن حميدة، فإن منطقه يطابق رؤية أغلب النخب التغريبية (أو الاستئصالية) للمتدين من جهة أولى، ولشروط “المدنية” والحداثة من جهة أخرى.

لن أتحدث عن موقف أغلب هذه النخب من محرقة الإسلاميين في أوائل التسعينات، ولا عن موقفهم من الفرز الأمني وسلب أبسط حقوق الإنسان لفئة كبيرة من أبناء وطنهم (التواطؤ مع نظام المخلوع أو الصمت المخزي)، ويكفي أن نتذكر موقف هذه النخب من سباحة النساء بالبوركيني في النزل، ويكفي أن نتذكر موقفهم من “السياحة الحلال” (النزل التي تلتزم بمنع توزيع الخمور فيها)، فـ “النزل” بالنسبة لهذه النخب هي أمكنة “حداثية” لا تحتمل أي مظهر من مظاهر التدين (في اللباس أو المشروبات)، وكأنه من باب التناقض أن تسبح المتدينة بالبوركيني (وتزاحم سائر النساء “الحداثيات”)، أو يتمتع المتدين بخدمات النزل دون خمور (ويضيّق على الحداثيين).
وإذا ذهبنا بهذا التحليل إلى نهاياته المنطقية، فإننا لن نستغرب منطق سفيان بن حميدة: “الخوانجي” (أو المتدين بصفة عامة) يتمنى إغلاق كل الشواطئ ما دام غير قادر على منع “العُري” فيها واحتلالها بمفرده (أي بإقصاء المخالفين له في اللباس أو في المنظومة الأخلاقية).
إن سفيان بن حميدة قد انتقل بالتناقض التقليدي بين الإسلامي والحداثي إلى تناقض ثان هو بين الإسلامي و”المصطافين”، ليس لأن الإسلامي لا يصطاف، بل لأنّ الشواطئ -حسب “الصورة النمطية” التي يؤبده “الحداثي” فيها- ليست مكانه الطبيعي (مكانه الطبيعي هو المسجد أو أقبية الداخلية أو التشريد والتهجير أو الجبال ليحارب “النمط المجتمعي” ويهدد “مكاسب البورقيبية” و”حقوق المرأة”).
مختصر الكلام: أحيانا لا يكون المزاح فقط جادا، بل بعض الحماقات أو التفاهات قد تكون أكثر جدية مما يوهم ظاهرها، فكلام حراس النمط -مهما كان تافها في ظاهره- يظل حاملا لـ “عقلانية ما”، ولكنها عقلانية لا وظيفة لها إلا نسف الدور المفترض للنخبة: الانحياز للحقيقة ولمن هم أسفل.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.