Site icon تدوينات

انشغالات

زهير إسماعيل

زهير إسماعيل

زهير إسماعيل

إحراق ما تمّ تعريفه بأنّه “قاطرة مناورة” رابضة بمحطّة “صهيب” خاصّة بشحن الفسفاط التجاري بالمظيلّة جريمة فظيعة من الحجم الكبير.
وقد كانت شركة فسفاط ڤفصة أشارت إلى أن القاطرة تم اقتناؤها ضمن أسطول من سبع قاطرات ثمن الواحدة 7 مليون دينار.

ردّة فعل الحكومة الأولى لم تكن في المستوى. فعلى أهميّة التحقيق الجهوي وضرورته فإن حجم الجرم وخطورته وعلاقته بأزمة الفسفاط في بلادنا بوجهيها الاقتصادي والسياسي. لا يمكن ألاّ يكون هناك تحقيق مركزي وفي أعلى مستوى أمني واقتصادي.
خطر هذا التخريب الأمني والاقتصادي هو بحجم عمل إرهابي في قلب العاصمة. وكان المفروض أن يحظى بتغطية إعلامية واسعة ولم لا لمجلس وزاري طارئ مضيّق. وأن يكون الكشف عن الجاني الخطوة الضرورية الأولى. والحكومة والناس والحرص يعرف من المستفيد من حرق القاطرة وموضوع نقل الفسفاط.

ردّ فعل الحكومة كان ضعيفا وهو لا يختلف عن “روح أدائها” منذ توليها. وهي تعرف أنّ الجريمة هذه ليست منفصلة عن سياق كامل يتمّ فيه استهداف مؤسسات الدولة المنتخبة والدعوة إلى العنف والدم والاحتراب الأهلي. وهي دعوات لم تحرّك الحكومة ولا أحد من وزرائها اتجاهها ساكنا. وتصمت أمام عربدة بعض من وجوه المركزيّة النقابية الذين يتطاولون على النيابة ويتدخلون في ملفات القضاء واستقلاليته. ومْن هؤلاء من قبل ببيع نفسه وشرف بلده بدراهم معدودات عندما قبضها من شاريه الذي صرّح مزهوّا: لقد اشتريته !!

ومنهم من يتجنّد للدفاع عن ملفّات فساد أخالها مرصد رقابة طالت مسؤولين من الناقلة الوطنية ومن الوطنية للنقل وبين المدن. ويجعل من اتحاد حشّاد عصا تحمي الفساد والفاسدين.
الحكومة تعرف كلّ هذا، ولكنّها تعجز عن “حلّ فمها” و”تحريك يدها”رغم ما نالته من تفويض. وكان منتظرا تدشين إصلاحات يبدأ بتعديل التضحيات في مواجهة الوباء واللأزمة المالية الاقتصادية واتخاذ خطوات جريئة في موضوع مراكز المال والأعمال والثروة المحتكرة بغير وجه حق من قبل عائلات محدودة معروفة.
الحكومة لا تقدر على شيء من هذا ولا يرشح إلاّ ما يشق ائتلافها الحكومي من تجاذبات مقصودة تضاعف من عجزها.

ليس مطلوبا من الحكومة أن تردّ على كلّ صغيرة وكبيرة ولكن سكوتها عن قضايا كبرى تتعلّق بالثروة والفساد وأمن البلاد والديمقراطيّة وما يستهدفها ومن ثم بمبرّر وجود الحكومة نفسها يطرح أكثر من سؤال وأكثر من انشغال.
القضايا التي ذكرنا : الثروة والفساد وأمن البلد أهمّ بكثير من الثرثرة السياسيّة حول الشرعية والمشروعية وتجاذبات بنكهة حزبيّة في ظل مؤسسات أمنية وعسكرية تحث الخطى نحو “الأمن الجمهوري”.
فماذا يعني أن تردّ على مخالفيك وتعرض كل تفاهات السجال السياسي وخلفك المؤسسة الأمنية والعسكرية بقياداتها الأولى في نبرة تحريضية لا تظنها تتجاوز انفعالات اللحظة إلاّ أنّك تدعو من حيث لا تعلم هذه المؤسسة لأن يكون لها “رهان سياسي” و”دور سياسي” ليس من تقاليدها وليس من تقاليد الدولة، ومن دون وعي سياسي يدرك خطورة مثل هذا الانفعال في وضع يتسم بالارتجال في الأداء السياسي الذي يكرّس الفراغ السياسي.

الانشغال الاكثر هو غياب “ثوابت” حول الدولة والديمقراطيّة وعلوية القانون والاختيار العام الحر والتداول السلمي والعنف والإرهاب يتقاسمها المجتمع وخاصة النخبة من الطبقة السياسيّة. فإذا ما تحدّث مسؤول أوّل في الدولة عن “الراعي والرعية” و”بيت مال المسلمين” ومرجعية عمر فليس مضمونا أن يواجهه “الحداثي” ويعبّر عن انشغاله على مدنيّة الدولة.
والسبب أولويات سياسيّة وحسابات فئوية مريضة. ولكنّه في اللحظة نفسها ينتفض ويصدر بيانات الشتيمة السياسيّة أمام فعل خيري تضامني في بلدية من البلديات الشهر الفضيل تحت عنوان “الزكاة”.

ولا أظنّ الجهة المقابلة إلاّ على الحال نفسه غير أنّها تبدو الأكثر انسجاما مع هذا الذي يمثّل أرضية جامعة. وقد يكون انسجامها تسليما وقد يكون اقتناعا ورغبة في التنوير والتحديد.
إذا توفّر من الجهتين أو من الجهات المختلفة من يسلّم بالمبادئ المشتركة وتكون مقياسه في تقييم الأداء السياسي وتوجهات البلاد الكبرى، نكون قد خطونا خطوة مهمّة في الديمقراطيّة والعيش المشترك. فالمعارك المكرورة والتناهش المستدام يستنزف الجهد ويمنع التقدّم.
البلد منقسم فأعطوا الوقت للبلد لرأب الصدع، واشربوا عرقكم وادخروا الجهد، فهناك قضايا لا تحلّ إلا مع الوقت. واتركوا المجتمع يختار نسق تطوره ووجهته، وساهموا في ذاك دون التعسف عليه.

Exit mobile version