Site icon تدوينات

السياسة الاتصالية.. غائبة أو مرتبكة ؟!

سفيان العلوي

سفيان العلوي

سفيان العلوي

الخبر مقدس والتعليق حر
لا تزال السياسة الاتصالية لوزير الصحة تثير جدلا واسعا بين التبخيس الفج والدعاية الساذجة له. واذا كان قدر الوزير عبد اللطيف المكي أن يكون في واجهة الأحداث فهذا امر فرضه السياق الاستثنائي لجائحة الكورونا والذي عطل غالبية القطاعات وصعد من الاهتمام بالصحة في مستوياتها العليا. ولا يعنيني كثيرا الاصطفاف للدعاية للرجل الذي احترمه كثيرا واقرا حسن النوايا فيما يفعل او بيان حجم الشعبوية والعفوية والاستثمار الانتخابي في فترة مروره بالوزارة ومغامرته بكسر نمطية صورة الوزير. كما لا يعنيني التذكير بالتناقض في الصورة الذهنية العامة غير المعتادة لرجل الحكم بين السياسي المتواضع الذي يركب المترو او الدراجة في سكندنافيا أو الذي ينزل الى الشارع في اطار حملة تحسيسية بضرورة التوقي وعدم استعجال نهاية الحجر. وسيكون الحكم على حركة الوزير لاحقا كخيار مؤسسة لا كخيار شخصي.

والواقع أن الأمر يتجاوز شخص الوزير ليطرح مشكلا اعمقا يتعلق بالعمل الحكومي والسياسة الاتصالية للسلطة التنفيذية وحتى التشريعية. ولقد فرض طوق إعلامي مبالغ فيه بوجوبية بث الجلسات العامة مع ما يشوب هذا البث من إخراج انتقائي وتركيز على الهوامش اكثر من المضامين وتركيز على كتل دون أخرى مع السلوك المشهدي التظاهري لبعض النواب. لكن يبقى المبدأ العام هو رقابة واسعة للراي العام على المجلس وهو مكسب ديمقراطي لكن نغفل دائما أن الصورة غير محايدة وهي نتاج زاوية نظر وإخراج تلفزي وما ينقل من داخل المجلس من صور الفوضى أو غفلة النعاس التي تطال نائبا قضى ليله مسافرا ليواكب جلسات تطول لأكثر من خمسة عشر ساعة كله عبث عدسة لا ترى إلا النقائص بل تصطادها.

وحيث ضربت الثورة البروبغندا في مقتل وفرضت رقابة شرسة من الراي العام على كل الطبقة السياسية ونقلت النقاش السياسي الى تذرية واسعة للمشهد الإعلامي. وحيث تحرر الإعلام العمومي من الرقابة المسبقة على المضمون ووضع الذراع الإعلامي الرسمي فانه لا يخفى أن السياقات الأولى للانتدابات ولتشكل الطبقة الإعلامية العمومية داخل المؤسسات قد حكمتها سياقات زبونية سياسية وثقافية لا تزال تحكم المشهد وتشكله على وجه ديونطولوجي وحرفي غير مرضي بالمرة. وأمام خصخصة واسعة وتذرية المشهد الإعلامي وحالة الطفيلية والزبونية التي تطغى على الخطوط التحريرية، تجد السلطة التنفيذية حرجا كبيرا بين التسويق الذاتي لإنجازاتها أو العودة الضاغطة الى ممارسات غوبلز القديمة. وهو ما لم يعد ممكنا.

كلنا يذكر المقالات الإشهارية مدفوعة الأجر في الصحف العالمية والتي تنوه بالمعجزة التونسية ثم تستعاد في الداخل كمادة دعاية وشهادات شكر من الخارج “محايدة”. وكلنا يذكر الطاقم الصحفي الذي يرافق المرحوم الباجي في رحلاته الى الخارج وفي نفس الطائرة وعلى نفقة الرئاسة. ربما سقطت الممارسة الرسمية او تحولت الياتها لكن الحاجة اليها بقيت عالقة ولذا يستسهل البعض تداول التنويه بالنجاحات حتى ولو أسيء اجتزاؤها ونقلها او ترجمتها دون ان يبدع وسائل جديدة تثمن المنجز وتشير الى النواقص دون ابتذال واسهال اللغة وسيولة الصورة.

وبالعودة الى السياقات الحالية فالسياسة الاتصالية للحكومة تكاد تكون غائبة او مرتبكة او مترددة او متجاذبة ارتباطا بالطبيعة الائتلافية لمنتظم الحكم والولادة القيسرية له. وفي مقابل ذلك هناك مشهد اعلامي متمفصل مع وسائل تواصل اجتماعي تنجح بعض النخب في شحنه وتوجيهه بكل الوسائل وبفائض حرية بات من العبث تحجيمه. في ظل كل هذا سيقرأ النجاح او الفشل من النقيض الى النقيض ولكل نجاح كلفته كما لكل فشل كلفته والسياسة بنتائجها.

كان بالامكان ان اختزل هذا الكلام في الجملة الكلاسيكية المعروفة: “الخبر مقدس والتعليق حر” ولكننا شعب يحب فائض القول والثرثرة.

Exit mobile version