مصدق الجليدي
جميل أن يجّدد الرئيس عهده مع الشّرعية واحترامه للقانون، وأن يشدّد على رفضه للفوضى، ولأي تغيير حتى ولو كان تصحيحيا إلا بالطرق القانونية وبمقتضى القانون. هذا التصريح الرئاسي مهم في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به البلاد. هنا نلتقي من جديد مع صورة الرئيس المسؤول عن احترام القانون والحفاظ على الأمن القومي. وهذا يمنحنا قدرا من الطمأنينة على هذين الدعامتين من دعائم الشرعية والسلم الأهلي.
لكن طمأنينتنا لن تكون أتمّ إلا بثلاثة أمور:
1. أن يوضح الرئيس أكثر مفهوم “المشروعية” الذي شرع في استخدامه منذ خطاب قبلي الأخير، وكرره اليوم في فندق الجديد (وحصره اليوم، في استمداد النائب مشروعيته من ناخبيه، في اعتراض على محاولة تنقيح النظام الداخلي لمنع السياحة الحزبية، معتبرا هذه المحاولة مخالفة للدستور) بحيث لا تكون المشروعية أبدا معولا لتقويض الشرعية، وبابا لجهنم الفوضى والتخريب. ففضلا عن عدم المناسبة القانونية لاستخدام مفهوم المشروعية في الكلام عن الدستور والبرلمان، كما لا يفوت السيد قيس سعيد ذلك، وهو الخبير في هذا المجال، لكونه مفهوم له مجال قانوني خاص به للتطبيق هو مجال القضاء الإداري، فإن القبول التجوّزي له، أي القبول من باب المعنى اللغوي والاصطلاحي العام، لا المعنى القانوني، يكون بإعطائه التعريف والمحمولات prédicats التالية:
-المشروعية- كما يمكن أن نقبل التعامل معها بالمعنى السياسي المواطني- هي أن يكون المسؤول السياسي المنتخب في مستوى الأمانة المعلقة في عنقه من ناخبيه، وأن يكون المسؤول السياسي المعين في منصب من مناصب قيادة الدولة في مستوى الانتظارات المعلقة عليه وطنيا. وعليه يسمح هذا المعنى للمشروعية بمراقبة المواطن لأداء مؤسسات الدولة، بدءا بالبرلمان، وصولا للرئاسة، مرورا بالحكومة وكل وزاراتها ودواوينها وإداراتها المركزية والفرعية، من مدخل الحوكمة، ومعاييرها: المشاركة، المساءلة، الشفافية، النفاذ للمعلومة…الخ. حيث إنه في أغلب الحالات يمكن أن تقع تجاوزات وتقصير وحتى فساد في عمل هذه المؤسسات والأجهزة الرسمية، فليس من المعقول ولا من المقبول أن يبقى المواطن مكتوف الأيدي طوال خمس سنوات وهو يتفرج على هذه التجاوزات أو حتى العبث والفساد، بل يخول له الدستور ويحتم عليه الواجب التصدي بكل الوسائل القانونية لنقد وفضح هذه الأمور كلها، بل حتى مقاضاة المتورطين فيها. ولذلك نجد في الديمقراطية آليات تعديلية وتقويمية تصحّح باستمرار عيوبها ونقائصها وارتخاءها. من ذلك الأدوار المهمة التي يقوم بها المجتمع المدني في الرقابة، مثلما لدينا الآن على سبيل المثال، لا غير، مرصد رقابة، الذي يقوم بعمل جبار وفعّال في هذا المضمار. وهنالك دور الإعلام الوطني النزيه، وهنالك دور النخب المثقفة العضوية المنحازة للثورة وللديمقراطية والعدالة الاجتماعية. بل من الممكن في بعض الحالات تنظيم حتى المسيرات والمظاهرات القانونية للضغط على بعض المؤسسات الرسمية لالتزام روح الثورة والدستور، ولكن ضمن نهج رقابة إصلاحي، لا يسمح بركوب بعض أصحاب الأجندات المشبوهة، مثل أجندة الثورة المضادة، أو أجندة الفوضويين والمتطرفين الاستئصاليين، على هذه التحركات القانونية المرخص لها، من أجل الانقلاب على الشرعية. ولذا يجب على قادة هذه التحركات الإعلان بوضوح عن أهدافهم منها. أي أهداف إجرائية محكومة بمنطق دستوري وقانوني وبمنطق سياسي أو اجتماعي إصلاحي، إذا ما تحققت، بقدر معقول، ضمن منطق تفاوضي، ينتهي الجدل، وتُواصِل المؤسّسات عملها بشكل عادي.
لكن أن ينتصب بعضهم، كما يرى الجميع ذلك الآن في واضحة النهار، بخيمة فايسبوكية يعلق عليها لافتة تدعو إلى سفك الدماء للإطاحة بما سماه حكومة الترويكا2 (نبيل الرابحي، صديق رضا لينين، والمدعي تخابثا انخراطه في خيارات قيس سعيد، كأنه يستبلهه، حاشاه، ليغضّ سعيّد الطرف عن دعوته الإجرامية) فهذا ما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدخل تحت مفهوم “المشروعية” المناوئة للشرعية. أصحاب هذه الدعوات هم قطّاع طرق ومجرمون يجب إيقافهم فورا وإحالتهم على التحقيق والعدالة، وعدم السّماح لأي لوبيات بحمايتهم والتغطية على دعاويهم ودعاوتهم للفتنة والاغتيالات السياسية والاحتراب الأهلي.
2. ينتج عن هذا، هو وجوب عدم اكتفاء السيد الرئيس بالتنكير على الفوضى والتأكيد على الشرعية، بل بالأمر الفوري، بصفته رئيس مجلس الأمن القومي، برصد كل الحالات الشبيهة، وفي مقدمتها هذه الحالة الواضحة الفاضحة، واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها دون تردّد ولا محاباة ولا محسوبية ولا زبونية.
3. التوجه بخطاب من داخل البرلمان للبرلمانيين وللشعب للتذكير باستحقاقات الثورة التي نصّ عليها الدستور وبكونها أمانة في عنق الجميع، وأن الواجب الوطني والدستوري والأخلاقي، يملي على كل المسؤولين في الدولة أخلقة معاملاتهم في ما بينهم والإخلاص للأمانة التي علقها الشعب في أعناقهم. يفعل ذلك بصرامة وحزم، ولكن بتواضع الشريك الأساسي في الحكم، ودون استعلاء ووصاية. كما يتوجه إلى المواطنين بخطاب يدعوهم فيها إلى الوحدة الوطنية، مع تواصل مواجهة أزمة الكورونا وخاصة إثر الخروج منها لمواجهة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة. وأن يدعوهم للانطلاق في العمل بكل جد وإخلاص للوطن، مثمّنا هبّة أبناء الشعب في مجالات الصحة والهندسة والأمن والمجتمع المدني، للانتصار على أزمة الكورونا والدعوة لمواصلة هذه الهبة للانتصار في معركة التنمية والاستقلال الوطني الكامل.
بمثل هذا الاتجاه وهذا الأداء والخطاب الذي ننتظره من الرئيس يمكن أن نطمئن على وجود البلاد والدولة في المسار الصحيح.