نور الدين الغيلوفي
الذين يريدون الانقلاب على المسار فصيلان:
- فصيل أبناء المنظومة القديمة الذين جفّ، بسقوط رئيسهم، ضرعٌ كانوا تحته يعتاشون من قَطْرِهِ مثل عبير موسي وأتباعها من تلك الأسماء المسجَّلة بمجلس قيادة “ثورة الجياع”…
- والفصيل الثاني يتكوّن ما “جماعة الرئيس”.. وهؤلاء بدورهم نوعان:
- نوع الشباب المتحمّس الذي ضاق ذرعا بالسياسيين وأحزابهم ويئس من أن يقدّم هؤلاء إلى البلاد شيئا.. وهؤلاء لا فضيلة لهم إلّا سلامة النية ولا خصلة لهم سوى الجهل…
ترى جهلهم من تعاليقهم على ما لا يوافقهم من تدوينات ومن سوء أدبهم مع من يخالفهم.. فهم يسارعون إلى التخوين والتأثيم.. حتى كأنّ كلّ من يخالفهم شيطان رجيم وجب الاستعاذة منه وصبّ اللعنات عليه والتقرّب إلى الرئيس بالهجوم عليه.. وهم معذورون لمحدوديّة تفكيرهم ولعجزهم عن التعبير…
-
- النوع الثاني تمثّلة “الشِّلّة” المحيطة بالرئيس تحرس منسأته.. هؤلاء في ظاهرهم على الأقل من “مكَسَّري” الإيديولوجيات العتيقة التي لم بتبقّ منها شيء خارج طيّات الكتب الصفراء.. وهذا النوع خطير لأنّ له ثأرا ضدّ التاريخ الذي لم تَجْرِ حتمياتُه بأوهامه.. ولخوض معركتهم الأخيرة جعلوا لهم عدوّا أوهموا بأنّه هو عدوّ الرئيس ركّزوا عليه هجوماتهم.. وبذلك شحنوا أتباعهم… لذلك فهم يحشرون النهضة في الزاوية ويختزلون المعركة في التنازع بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان.. لأنّهم يرون في السلطة التشريعية عقبة في طريق انقلابهم.
والفصيلان بينهما لقاء موضوعيّ.. وهما يسيران على الجادّة نفسها وإن هما بدوا متناقضين في الظاهر.. هدفهما الجامع هو:
إسقاط النظام السياسيّ القائم واستبدال غيره به…
الفصيل الأوّل لا تمكن مناقشته لأنّه يتداول لغة حربية ظاهرة لا تقنع أحدا سوى “كمشة” المتمعّشين الذين يتحرّكون بالأوامر.. وأوامرهم إنّما تأتيهم من قيادة الثورة المضادّة الأعرابية داعمهم الرسميّ.
أمّا الفصيل الثاني الذي يضمّ كثيرا من الساذجين فيمكن أن نقول له:
الرئيس الذي تحمّلونه همّكم هو مجرّد فرضية نظرية لا علاقة لها بالأرض.. شحنتموه بأمانيّكم وهو غُفْلٌ من كلّ وصف.. رجل لم يكن يعرفه أحد ولا يدري أحد بخلفيته… صعد إلى الكرسي بطريق كرنفالية لم تنكشف أسرارها بعدُ.. يصوّره أنصاره كما لو أنه مبعوث السماء بدعاوى مرسلة تصف الجميع بالعمالة والخيانة.. وتُفرده هو بالنقاء…
وحدهم، الذين قدّموا لأنفسهم أعمالا في زمن الاستبداد الطويل، يمكن وصفهم وتصنيفهم ونقدهم.. قيس سعيد لا يزال ورقة بيضاء لا يدري أحد إن كانت صالحة للكتابة.. ومن السذاجة تبرئته من كل نقيصة وجعله مفتاح السماء السحري أو مقارنته بغيره الذين لولا مقدّماتهم وما سلف من جهودهم لما حلم هو، مجرّد الحلم، بأن يحظى بأدنى المسؤوليات في البلاد أو أن يعلم باسمه أحد.. ولا يمكنك أن تصف بالنظافة من لم يتعفّر بتراب الفعل فلم يصب ولم يخطىء.. كيف يمكن أن تحكم لمن كان غُفْلًا أو أن تحكم عليه؟
الرجل وصل بالانتخاب بعد أن انخرط في اللعبة الديمقراطية طوع إرادته.. ولا مشكلة لأحد معه إلّا ما يظهر من تبشيره بجماهيرية القذافي سيّئة السمعة التي قامت ضدّها ثورة الشعب الليبيّ الذي لا يزال إلى اليوم يلعق الجراح التي تركها فيه مستبدّ مجرم بقي ثنتين وأربعين سنة يجلده وهو يبشّره بانبلاج عصر الجماهير.
وذلك هو مشروع قيس سعيد نفسه نراه في ما يصرّ عليه من شطح قد يتسبب في احتراب أهلي لا أحد يدرك عواقبه…
قضية تركيا التي يصرّ أنصار الرئيس على استدعائها هي مجرّد ذريعة لمهاجمة المعارضين بتصويرهم عملاءَ للبعث العثمانيّ… الدول جميعها حاضرة في المشهد.. والرئيس ليس معزولا عن بعضها.. وحديث أنصاره عن تركيا العثمانية يقابله حديث خصومه عن إيران الصفويّة.. وليس لطرف أن يثبت على الثاني ادّعاءه… ولكن بهذا سنظلّ نتبادل الاتهامات.. وتلك هي مقدمات الاحتراب…
الدول المتقدّمة إنّما استقام أمرها بالديمقراطية التمثيلية على علّاتها.. لا أحد يدّعي أنّ النظام الديمقراطي هو نظام المدينة الفاضلة ولكنّه أقل الأنظمة السياسية سوءا وأقلها خطرا…
الذين انتخبوا قيس سعيد هم صنفان:
- صنف يبحث عن الانعتاق من الفقر.. وقد انتخبه لأجل تحقيق العدل وليس لاجل تغيير النظام…
- والصنف الثاني انتخبه فرارا من جحيم الفساد الماثل في شخص نبيل القروي.. هؤلاء لم تكن لهم رغبة في أن يكون قيس سعيد رئيسا.. كان انتخابهم انتخاب المضطرّ.. وشهادة المضطرّ لا يُعتدّ بها.
الحرية أوّلا.. ثمّ العدالة ثانيا.. وهما معركتان طويلتان حَسْمُهُما ليس هيّنا.. ولكنّ قيس سعيد والحافّين من حول عرشه لا يبشّر خطابهم بغير الفاشية.. الفاشية والنازية كلتاهما كانت لهما بشائر أغوت الجماهير.. ولكنّهما انتهتا إلى ما تعرفون.