Site icon تدوينات

من يسحب الوكالة ممّن ؟

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

يوما بعد يوم يزداد يقيني بأنّ رئيس الجمهورية لا يحسن التفكير.. ولا التعبير.. ولا اختيار مناسبات لأقواله؟ هل يُعقل أن يتحدّث رئيس جمهوريّة بمثل حديثه في مثل هذا الظرف الوبائي وهو يدشّن مستشفى ميدانيا هدية من دولة أخرى؟

هل هذا وقت الحديث عن سحب الوكالات؟

وأيّ وكالة؟

الانتخابات التشريعية وكالة.. والانتخابات الرئاسية وكالة..
والمطالبة بسحب وكالة إحداهما يستصحب ضرورة سحب الأخرى.. هذا مقتضى منطق الرئيس…

من قال إنّ وكالة الرئيس هي تفويض له بأن يتّخذ من الشعب قطيعا وبأن يدعوَ إلى سحب الوكالات الأخرى المنافسة؟

هل يظنّ أنّ انتخابه بتلك النسبة هو صكّ أبيض له دون سواه؟ هل سأل نفسه لماذا انتخبه الناس بتلك النسبة؟ وماذا يعرف عنه التونسيون حتّى يقبلوا عليه ذلك الإقبال؟ هل أنجز في السابق عملا يمكن أن يكون ضمانة له بين أيديهم؟ لا شيء من ذلك إنما هي آمال شعب يبحث عن التغيير أغرقه بحثه في الفراغ.

ما دمت، سيّدي الرئيس، تريد سحب الوكالة فلتبدأ بسحب وكالتك.. ولتخض غمار انتخابات جديدة.. سنرى حظّك منها.

عدد الناخبين الذي صوّتوا لقيس سعيد بعضهم عن اختيار وكثير منهم انتخبه للضرورة.. الناس كانوا بين خيارين اضطُرّوا إلى أحدهما واضطرارهم لقيس سعيد لا يعني أنّ طريق الرجل صارت سالكة ليمضيَ في تعويماته وتهويماته وشعاراته التي لا معنى لها.. ولينكث ما غزلت البلاد منذ 2011

أنا مثلا انتخبت قيس سعيد.. وأمثالي كثيرون جدّا.. ولكن لو أُعيدت الانتخابات الرئاسية وتنافس قيس سعيد مع الشيطان لا أظنّه سيفوز ثانية.. كلنا نعرف أنّ كثيرا من ناخبيه لا يوافقونه على أفكاره الفوضوية التي يريد أن ينقلب بها على المسار هذا إذا فهموا من تلك الأفكار شيئا…

أجيال من معارضي نظام الاستبداد والفساد أضاعوا أعمارهم في البحث عن نظام ديمقراطيّ يحقق الحرية والعدالة والكرامة.. هؤلاء لم يعملوا ما عملوا ليقفز على تاريخهم رجل طوباويّ يظنّ أنّ السماء أسلمته مفاتيحها وخصّته وحده بحلّ سحري يجعل به البلاد جنّة…

الجميع يدركون أنهم أصحاب اقتراحات متنافسة ويعلمون أنّ دون ما يريدون عقباتٍ كثيرةً وإن هم أساؤوا التقدير والتدبير واختلفوا ولم يجدوا صيغة لاتّفاق بينِهم لأجل المصلحة العامّة.. ولا أظنّ أن شطحات “الشعب يريد ويعرف ماذا يريد” هي الحلّ أو لها معنى في قاموس السياسة ومجال الإنجاز…

سيادة الرئيس…
ما هكذا تورد الإبل..
اعقل يا رعاك الله.

سقف الرئيس

أكثر الذين يشجّعون الرئيس على أن يمضيَ في خطابه التحريضيّ على المسار الديمقراطيّ المتعثّر هم أولئك الذين يلهجون بحكومة الرئيس ويستظلّون بسقفها.. هؤلاء يشقّون “الصفّ الديمقراطي” لصالح دكتاتور متخبّط في طور النموّ…

حكومات الرؤساء جرّبها العرب في مختلِف دولهم التي شهدت أنظمة رئاسويّة: حكومات بورقيبة وحكومات بن علي.. وحكومات السادات ومبارك .. وحافظ الأسد وصدّام حسين وجمال عبد الناصر وعلي عبد الله صالح وجعفر النميري…

تتعدّد الحكومات والرئيس واحد.. الرئيس يغيّر ولا يتغيّر مثل إلاه مقيم.. ولكنّه إلاه يموت.. لا يتغيّر الرئيس إلّا بعد أن يموت ليعاد ترتيب البيت كأنّه لم يمت..

وبعد عمر طويل سيُسلمكم التفويض إلى رضا لينين ليشحنكم في حافلاته الثلاث ويلقي بكم في صحراء الربع الخالي..

وأنتم تُنشدون (مات الرئيس… عاش الرئيس)

إلى هؤلاء السذّج…

أنتم في النظام الديمقراطيّ تصارعون وتخالفون وتصرخون بما ترون وتبيتون في فُرشكم آمنين.. المشهد يتغيّر باستمرار في بحث عن المعادلة الممكنة التي تقتحم بها البلاد عقباتها وتخرج من مآزقها وتتخلّص من مشاكلها.. تصعدون أنتم تارة ويصعد غيركم تارة ولا سقف فوقكم غير سقف إراداتكم.. فإن أنتم عدتم بنا إلى الرئيس الذي يحكم وإلى حكومة الرئيس التي لا سقف غير سقفها لن تكونوا أنتم استثناء لأنّ “عليكم ريشة” الرئيس.. ستكونون أسهل الأحجار التي سيركلها الرئيس من طريقه.. أو سيكلّف رضا لينين بجمعها ليعبّد بها الطريق إلى غيركم…

الرؤساء المستبدّون يبدأون بمقرَّبيهم يجرّبون سكاكينهم في رقابهم.. انظروا ما فعل السيسي بأنصاره.. وما فعله بشار الأسد برامي مخلوف وما فعل أبوه، من قبله، بأخيه رفعت الأسد.. وما فعله عبد الناصر بعبد الحكيم عامر.. وما فعله بن علي بزملاء انقلابه.. وما فعله بورقيبة من قبله بصالح بن يوسف…

الرؤساء إذا حكموا أطلقوا أيديهم.. يبطشون بالأقربين لزرع الرعب في الأبعدين.. وقيس سعيد أشبههم بالقذّافي وللقذافي سيرة يعرفها الجميع…

اتّعظوا…

ما تقولونه اليوم سيكون عليكم، غدا، مستحيلا…
لا تذهبنّ بكم عقولكم الصغيرة، في مناكفاتكم الصبيانية العمياء، إلى الحدّ الذي تهدمون به جدار الحرية الذي تستندون إليه…

بلادنا تعيش في ظلّ واحة لم يعرف شعب عربيّ آخر ظلّا مثله…

لا تقطعوا النخيل لتسقفوا به بيتا يسكنه الرئيس ويترككم في العراء…

سحب الوكالة

كيف يتمّ؟
بانتخابات مبكّرة أم بشيء آخر؟

الذي أعرفه أنّ الانتخابات هي آلية الديمقراطيّة المتعارَف عليها في العالم الحرّ.. ولا تُعرَف آلية غيرها…

رئيس جمهوريتنا كيف يريدنا أن نسحب الوكالة؟

إن كان الأمر تحسمه الانتخابات فأهلا وسهلا.. الانتخابات إجراء مدنيّ منظَّم ومنظِّم.. لا الحكومة ترضينا ولا الرئيس.. ولا البرلمان…

وإن كان الرئيس يريد سبيل الفوضى، فسيخرج أنصارُه لسحب الوكالة من خصومه ويخرج خصومه لسحب الوكالة منه هو…
سيلتقي الجمعان… وقد تنشب من لقائهما النيران.. ولن يكون أنصار الرئيس أحرص عليه من حرص أنصار الديمقراطيّة عليها…

من الذي سيطفىء النار وقتها؟

سيقال إنّ قيس سعيد رئيس جاءت به الانتخابات فأراد أن يقود انقلابا على شركائه فأشعل بالبلاد حربا أحرقت الأخضر واليابس…

فهل سيقول الرئيس، وقتها: الشعب يريد ويعرف ماذا يريد؟

الذي ننتهي إليه أنّ الرئيس لا صلة له بالشعب أصلا.. لأنّ الشعب لن ترقى به الفوضى.. ولن يحلّ مشاكله الثقيلة سحب الوكالات…

•••

دُلّني يا رئيسي…

فأنا (من الشعب الذي يريد) أريد أن أسحب وَكَالَتي من سيادتك…
ما عدت أراك لائقا بحلمي…
لقد حدتَ عن الطريق وخنتَ الأمانة وضللتَ وأضللتَ.

Exit mobile version