توفيق رمضان
لجنة النظام الداخلي للبرلمان تصوت لصالح مقترح تعديل الفصل 45 من النظام الداخلي المقدم من كتلة قلب تونس.
مقترح يقضي بفقدان النائب لعضويته بالبرلمان بمجرد استقالته من حزبه او من الكتلة التي ينتمي اليها او الحزب الذي ترشح على قائمته.
مقترح يثير عديد التساؤلات بشأن دوافعه ومآلاته من خلال علاقته بالقانون والاخلاق والسياسة.
الملاحظ ان مقترح منع السياحة الحزبية تقدم به سابقا حزب نداء تونس في فيفري 2019. لكن تقدم به في شكل مقترح لتعديل الفصل 34 من القانون الانتخابي الذي يحدد حصرا حالات فقدان النائب لعضويته بان يتم إضافة ما تم تقديمه الآن من كتلة قلب تونس.
لماذا مقترحي منع السياحة الحزبية صدرا عن نفس الجهة تقريبا فقلب تونس ما هو الا سليل النداء. يفسر ذلك بالخشية من تفتت الكتلة والحزب فقلب تونس مازال مسكونا بما حدث للنداء ويرى نفسه يلامس نفس المصير بخروج تسعة نواب من كتلته وربما يغري ذلك الاخرين. فهل الحزب دائرة مغلقة من دخلها لا يخرج منها ؟. هل يعتبر المستقيل من الحزب في حكم المرتد سياسيا او المرتكب لخطيىة وبالتالي يقام عليه حد الطرد من المجلس ؟.
ألم ينص النظام الداخلي للبرلمان في الفصل 20 منه «كل عضو بمجلس نواب الشعب نائب عن الشعب باكمله بداية من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية». كما ان النائب طبقا للفصل 8 من النظام الداخلي يقسم على الولاء لتونس فقط. وليس للحزب او للقاىمة. كما ان جل القوانين الداخلية للأحزاب تقول بان مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب وفي حالة التصادم تغلب مصلحة البلاد. فكيف يفقد النائب عضويته رغما عن ارادته الحرة وخارج ما نص عليه القانون الانتخابي المعلوم مسبقا. الذي على اساسه قبل الترشح في قائمة حزبية او ائتلافية. وهل يمكن لقانون داخلي ان يخالف قانونا اساسيا ويوسع في اسباب فقدان النائب لعضويته في البرلمان ؟.
الاسئلة الجديرة بالطرح هنا ماذا لو كانت السياحة الحزبية فعلا اخلاقيا وليست سقوطا او خطيئة ؟. أي ان سببها الوفاء للناخبين ولهوية الحزب ومرجعيته لا خيانتهم كما يتم التسويق له؟. لماذا وافقت النهضة واىتلاف الكرامة على هذا المقترح ؟.
الاساس المعتمد للدفاع عن مقترح منع السياحة الحزبية هو أخلقة الحياة السياسية ومنع الترحال السياسي او الهجرة السياسية او النزوح السياسي ولمنح اكثر صلابة وتماسك للمكونات السياسية خاصة في ظل النفور من الاحزاب وشيطنتها. والقفز بين الاحزاب يزيد في تهميش المشهد وافساده.
الاخلاق في السياسة والسياسيين مطلوبة لان القانون وحده لا يقدر على تنظيم كل شيء ولا يمكن ملاحقة النواب حتى في سرائرهم.
لكن ما يلاحظ أن اصحاب مقترح التعديل سواء الندائيين من قبل او القلبيين اليوم تناسوا ربما أن النداء كانت له كتلة برلمانية قبل ان يصبح حزبا .كوّنها من نواب ترشحوا على احزاب اخرى واشهرهم ابراهيم القصاص الذي ترشح عن العريضة الشعبية وقتها.
قلب تونس كذلك اغلب مؤسسيه من الندائيين بل رئيس قائمته في قفصة هو سفيان طوبال الذي هو نفسه رئيس كتلة نداء تونس عند تقديم القائمات في 2019. كذلك رضا شرف الدين رئيس قائمة الحزب في سوسة ترأس قائمة النداء في نفس الدائرة في 2014 ونذكر قولته انه يحب الباجي اكثر من زوجته. سماح دمق ترشحت عن قلب تونس في صفاقس وهي ندائية سابقة.
أئتلاف الكرامة الذي يساند اخلقة العمل السياسي تناسى انه اخيرا ضم الى كتلته النائب احمد العيادي المترشح عن حزب الرحمة في دائرة اريانة. فعن اي اخلقة واخلاق تتحدث هذه الاطراف. ام ان الاخلقة متمططة حسب المصلحة والغاية. ام ان السياحة الحزبية عندهم هي منع المغادرين وقبول الوافدين.
بعد القاء تبرير الاخلقة في سلة المهملات يبقى التبرير السياسي التكتيكي والاستراتيجي. قلب تونس الان مهدد بفقدان المزيد من نوابه خاصة بعد اعتراض العديد منهم على طبيعة العلاقة التي اصبحت تربطه بالنهضة ويخشى ان تكون كتلة المليكي وجهتهم القادمة او يلتحقون بالدستوري الحر او الندء او تحيا.
اىتلاف الكرامة يخشى بروز حركة سيادة التي تشاركه الخزان الانتخابي تقريبا .خاصة مع وجود راشد الخياري فيها واستقالةنائبين اخرين من الكتلة اعتراضا منهم على دور الاىتلاف الذي لم يتعد كونه بيدقا في ايدي البحيري والنهضة يجامل من تجامل ويعادي من تعادي ويزيد على ذلك احيانا خاصة في المعاداة.
النهضة تضع ساقا في الحكم واخرى في المعارضة. وتتتظر تمرير المقترح ومرور جائحة الكورونا وتسحب دعمها للحكومة وتشكل ترويكا جديدة مع قلب تونس واىتلاف الكرامة وتضمن بذلك رىاسة شيخها للبرلمان وشخصية منها على رأس الحكومة وترتاح من المشاغبين التيار وحركة الشعب وتعمل على تحجيم دورهما وتبخيسهما كمعارضة في سعي لتفتيتهما لتخلو لها الساحة. فائتلاف الكرامة بعض منها وقلب تونس قطعة صلصال تشكلها كما شاءت.
السياحة الحزبية يمكن ان تكون فعلا اخلاقيا لا سقطة او سقوطا يعبر عن انتهازية (رغم وجودها في بعض الحالات).
احيانا يحيد الحزب عن مبادئه وتوجهه فيدفع بعض المنتمين اليه الى مغادرته وحصل هذا مع الاستاذ نذير بن عمو الذي كان نائبا عن النهضة واستقال منها بعد المصادقة على قانون المصالحة الذي راى فيه حيادا وتنكرا وخيانة للناخبين. ماذا لو خان الحزب ناخبيه فهل الاستقالة منه تعتبر خيانة ؟. لنفترض ان حزبا يتبنى القضية الفلسطينية ويدافع عنها وينادي بتجريم التطبيع وحشد بذلك انصارا واستقطب اسماء ترشحت في قاىماته. ثم نتيجة توازنات وتحالفات وربما املاءات وضغوطات خارجية لا يصوت للقانون في البرلمان. فهل تعتبر الاستقالة من كتلته والاتضمام الى كتلة اخرى تساند التجريم خيانة للناخبين او انتهازية وسقطة اخلاقية. اليست الاستقالة هنا قمة الاخلاق والوفاء ؟.
الاستقالة من الحزب او الكتلة غالبا ما تكون أسبابه غياب الديمقراطية داخلها وعجزها عن ادارة الخلافات والاختلافات بين ابنائها. كذلك غياب السردية او الايديولوجيا الجامعة داخل الاحزاب. فبعضها تبرز كفقاقيع او ردود افعال لشخصيات تملك اموالا نفرت احزابها لسبب او لاخر لا علاقة له بالفكر والسياسة. اي هي احزاب مصلحية بطبعها لا ياتيها الا صاحب مصلحة وهي تعلم ذلك من اول يوم.
نعم هناك بعض السياسيين من يصح ان نطلق عليهم وصف «هطّاية السياسة» اي من يرتحلون من حزب لاخر بعضا عن الزاد شانهم شان الهطاية الذين ينتقلون من منطقة الى اخرى بعضا عن الزاد لهم وعن المرعى لمواشيهم.
توفيق رمضان.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.