سامي براهم
تواترت الإحالة على حريّة الضّمير والمحاكاة والاقتباس بمناسبة ما أقدمت عليه فتاة من استفزاز للشّعور الدّيني لا بالنصّ الذي صاغته بل بالإطار البصريّ الذي وضعته فيه وهو صفحة من المصحف موزّعة في شكل آيات مرقّمة أطلقت عليها اسم سورة وما في ذلك من تقليد يعدّ انتهاكا في عرف الكتابة والنّشر يمكن أن يكون محلّ مساءلة…
يكفي أنّ مجرّد صورة فوتوغرافيّة التقطها مصوّر هي مشمولة بحقوق صاحبها إذا وقع نقلها أو اقتباسها دون إذنه… وكذا الأمر في غلافات الكتب واللوحات الفنيّة من تقليد أو سرقة…
ليست محاكاة فنيّة ولا أدبيّة كما يدّعي البعض قياسا على نصوص لأدباء مرموقين مثل المعرّي وطه حسين ومحمود المسعدي، بل هو موقف عابث مستهين بعقيدة أغلبيّة الشّعب وما ترسّخ في ضميرهم من أنّه المصحف الذي يجمع بين دفّتيه الوحي المنزّل من السّماء…
لو نشر النصّ كأيّ تدوينة دون تنزيله في ذلك الشّكل البصريّ المسجّل في ذاكرة المؤمنين بشكل حصريّ ضمن كتاب مخصوص ربّما لما أثار نفس الجدل.
لا ندعو إلى مواجهة ذلك بالتجريم القانوني بل ندعو إلى تحييد القضاء عن هذه القضايا الجانبيّة التي يفتعلها صغار العقول، ولكن لا بدّ أن يحذر من يقدمون على ذلك من المآلات وأن لا يدخلوا البلد في جدل ومناكفات وفتن لا طائل من ورائها خاصّة إذا كان القصد منها تصيّد المتحمّسين واستدراج الانفعاليين لمربّعات العنف والاستثمار في رأسمال الضحيّة.
نقد الدّين ونقض مسلّماته والتعبير الصّريح عن عدم الاقتناع بمعتقداته والكفر بنصوصه وعدم الإيمان بقداستها أمر مشروع من داخل الدّين نفسه الذي أقرّ أن لا إكراه في الدّين ومن داخل الدّستور الذي تعاقد عليه المؤسّسون… لكن الاعتداء على خصوصيات هذا الدّين والسّطو على معالمه ورموزه والعبث بها لا يدخل أبدا في حريّة الضّمير المشمولة بحريّة التّعبير… بل هو سلوك صبياني لا فكر فيه ولا إبداع ولا صورة رمزيّة غير المخالفة المجانيّة والموقف السياسيّ والأيديولوجي المتخفّي وراء قيم ومبادئ سامية ونبيلة مثل حريّة الضّمير وحريّة المعتقد وحريّة التّعبير…
لن يُستَدرَج المؤمنون الذين ضرّستهم المحن في هذا البلد إلى ما يُرَاد استدراجهم إليه وتحريف أنظارهم عنه من تحديّات وطنيّة يشوّش عليها العابثون…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.