Site icon تدوينات

هل الإحتراب الأهلي وصفة عربيّة ؟

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

نظرة وصفية غير متشائمة
حين تتأمّل انحدار المعنيّين بالشأن العام، في تونس، من سياسيين رديئين ونقابيين متعجرفين وإعلاميين جهلة ومثقفين متسلقين.. حين تتأمّل انحدار هؤلاء في الخطاب وفي السلوك معًا تعرف معنى أن يكون العرب أمّة متخلّفة لم تُجعل لهذا الزمان ولا لأيّ زمان…

“عِبْرَة” من أكثر العبارات تداولا في اللغة العربيّة وأقربها إليها اشتقاقا.. ولكنّ العرب لا يعتبرون.. ويصرّون على أن يكونوا هم العبرة، دوما، كأنّهم دليل ولكنّه لا يستدِلّ.. والاختلاف بين شعوب أقطار العرب إنّما هو اختلاف درجة وليس اختلافا نوعيّا.. وحتّى إذا فارقها شعب من الشعوب ونجا بنفسه، زمنا، عاد إليها يجرّ سيرتها…

في تونس، مثلا، نفاخر بأنّنا ندير اختلافاتنا بالديمقراطية ولا نتداول الأسلحة على خلاف ما يفعله أجوارنا الذين انخرطوا في قتال يفني به بعضهم بعضا.. نفاخر بالديمقراطية ولكنّ بعضنا يوالي حَمَلَة السلاح هناك وربّما يتمنّى لو أنّ لديه سلاحه حتّى ينجح في تصفية خصومه الذين يعطّلونه عن تطبيق برامجه العبقريّة ودليلُه ما فعلت جيوش أخرى خرّبت بلدانها وقتّلت شعوبها تعبيرا عن ممانعتها.. وظلّت حبيسة دول حامية مانحة ترتع جيوشها وأجهزة مخابراتها في البلاد حتّى أنّ الرئيس بها لا يتحرّك إلّا بإذنها متحصّنا بأدواتها…

في تونس، عجزنا عن إدارة اختلافاتنا بالوصفة الديمقراطية التي وصفناها لأنفسنا بعد جهد جهيد استغرق من وقتنا كثيرا.. وحلّ التنابذ محلّ التحاور ونكصنا على أعقابنا كأنّنا نقول إنّ أذكى الشعوب العربية هي تلك التي لم تضع وقتا ومرّت سريعا إلى الإحتراب الأهلي وأحالت بلدانها إلى مشاهد للخراب.. خراب في المباني وخراب في المعاني تعبيرا عن العروبة الصافية الوفيّة لحقيقتها.. كأنّنا نقول باللغة العربيّة الفصحى “إذا عربت خربت”…

جعلنا لنا برلمانا دعوناه برلمان الشعب ودخل إليه نواب الشعب ولكن، بعيدا عن الادّعاء، مَن من هؤلاء تونسيّ الولاء ؟

في بلادنا أولياء لفرنسا دولة الاحتلال البغيض لا يعبّرون عن أنفسهم إلّا بلغتها ولا يتنفسون إلّا برئتها.. ولا يأكلون إلّا من مائدتها…

وفي بلادنا توابع لحفتر وبشّار الأسد يرون فيهما زعيمين نموذجيّين يتمنّون لو عبرت جيوشهما حدود تونس لتحريرها من آخرين لا يرضون بهم بينهم مواطنين مثلهم.. وقد قال أحدهم لبعض الإعلاميّين في بذاءة لا نظير لها “الجيش العربيّ السوريّ هناك يدافع عن أمنك هنا”…

وفي بلادنا توابع لدولة الإمارات العربية المتّحدة تُلحقنا بإماراتها وتضيفنا إلى ملحقاتها لأنّ بها ثروات يخشى عليها حكّامها من عدوى ثورتنا.. لذلك فالإمارات تسابق الزمن لتُجهز على جذوتنا بعد أن بسطت، بأموالها سلطانَها على مصر واليمن وليبيا.. والسودان.. وسوريا بعد أن أعادت بشّار الأسد إلى حضنها… وما الإمارات في الحقيقة سوى نسخة عربيّة للدولة العبرية ومخلبا من مخالبها…

وفي بلادنا موالون لتركيا ولقطر الدولتين الإمبرياليتين التوسعيتين اللتين ترعيان مصالح لهما تاريخيّة وجديدة.. إحداهما تستهدف تتريكنا حنينا إلى زمنها العثماني أمّا الأخرى فتطلب تقطيرنا لتوسيع رقعتها الترابية الضيّقة ومضاعفة شعبها القليل بضمّنا إليها.. الدولتان تستهدفان احتلالنا بما تقدّمانه من مساعدات لنا يرضى بها بعضنا وينتبه البعض الآخر إلى سموم بها فيرفضها…

ما الذي أضافته الديمقراطية إلى نخب ينهش بعضها بعضا حتّى في زمن جائحة تحتلّ الأرض لا تبقي في الناس ولا تذر؟

بدل أن نجعل من الجائحة منحة نراجع معها أنفسنا ونعالج أعطابنا ونصلح ما فسد من أمرنا وقد انشغلت الدول من حولنا بشؤونها عنّا.. وبدل أن يحميَ بعضنا بعضا ويعطف بعضنا على بعض طلبا للحياة ودرءا للموت.. بدل كلّ ذلك مضينا في عراكاتنا التي لا تنتهي بل زدنا نيرانها وقودا كأنّ بعضنا قد اصطفّ مع الفيروس ضدّ بعضنا الآخر…

لا أحبّ ذكر التفاصيل الشاهدة على كلامي لأنّ الجميع يعرفونها.. ولكنّ لي أسئلة موجعة معلَّقة تبحث لها عن إجابات شافية:

كم بقي لنا من انحدار لنصل إلى صلابة الأرض التي وصلتها شعوب متقدّمة نعرفها سبقتنا إلى الخراب وإلى البناء؟

هل بقي لنا من سبيل إلى الاستفادة من سير هؤلاء لبناء حداثتنا المتحرّرة من كوابحها التي في نفوسنا وموانعها التي في اجتماعنا دون المرور من طريق مراراتهم المرعبة؟

هل نملك أن نعوّل على أنفسنا لنقيم بأنفسنا بنياننا؟

الاستبداد دمّرنا والديمقراطية لم تعالجنا فكيف سننجو؟

هذه الأسئلة باتت تخنقني…

ليس أوضح من هذا الذي نحن فيه من تولٍّ عن النهوض والتقدّم وصناعة الحداثة التي تليق بنا… والخشية كلّ الخشية أن نكون من القبيل الذي يصدق عليه الشرط القرآنيّ الذي يقول:

(وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم)

فهل يكون فيروس كورونا أداة السماء لاستبدال غيرنا بنا وقد امتُحنّا فأخفقنا في الامتحان؟

Exit mobile version