عبد اللّطيف درباله
هل أنّ تفعيل وتنفيذ إلياس الفخفاخ فجأة الآن لاتّفاق سابق.. يشمل تعيين عدّة مستشارين من عدّة أحزاب بينهم اثنين من النّهضة.. هو قرار جماعي يشمل النهضة وغيرها.. أم هو إرضاء للحركة ليضمن بقاءه.. أم تعديلا للموازين بعد إعطاء ثقل لمحمّد عبّو وحزبه التيّار الديمقراطي.. أم محاولة احتواء لضمان استمراره.. أم هو محاولة اختراق وشقّ لصفوف النّهضة لقطع الطّريق على تنحيته..؟؟!!

أصدر رئيس الحكومة مؤخّرا عدّة قرارات بتعيين عدّة مستشارين جدد تباعا.. من جوهر بن مبارك.. متعدّد الإستقطابات السياسيّة والشخصيّة.. إلى القياديّين بالنّهضة عماد الحمّامي وأسامة بن سالم..
الحقيقة أنّ التعيينات الجديدة للمستشارين النهضويّين عماد الحمّامي وأسامة بن سالم.. ليست وليدة اللّحظة.. وإنّما وقع التواعد عليها ضمن اتّفاق تكوين حكومة الفخفاخ.. مع مستشار آخر من حركة الشعب.. ومستشار من التيّار الديمقراطي.. ومستشار من تحيا تونس..
وأعلم الفخفاخ بذلك رسميّا الأمناء العامّين لأحزاب الائتلاف الحاكم.. منذ يوم 19 فيفري الماضي.. أي قبل نيل الحكومة للثقة بعشر أيّام كاملة طبق ما أوردته جريدة “الشارع المغاربي”..
لكنّ رئيس الحكومة.. ولأسباب مجهولة.. ربّما منها عدم رغبته في ذلك.. تأخّر جدّا في تنفيذ الاتّفاق.. وماطل في تسمية المستشارين الجدد رسميّا.. ودعوتهم للعمل..
كما تفيد الأخبار أنّ عدّة مستشارين آخرين جاري تعيينهم بعد الحمّامي وبن سالم من النهضة.. وذلك من حزبي التيّار الديمقراطي وحركة الشعب.. وربّما كتلة الإصلاح.. وحزب تحيا تونس أيضا.. رغم أنّ بعض المستشارين الذين عملوا مع يوسف الشاهد.. أبقاهم الفخفاخ معه فعلا..!!
كما أنّ جوهر بن مبارك هو المستشار السياسي السابق للتيّار الديمقراطي.. ويفترض بالتالي أنّه محسوبا عليه..!!
غير أنّ توقيت تنفيذ الفخفاخ للاتّفاق.. وتعيينه للمستشارين فجأة الآن.. يثير الكثير من الأسئلة لتزامنه تحديدا مع تصاعد الصّراعات داخل الحكومة.. بين مختلف الأحزاب والأجنحة المكوّنة لها..
كلّ من في كواليس الحكم يعرف الآن.. بأنّ صوت الكورونا المخيف.. طغى على أصوات معركة السّلطة المكتومة والطّاحنة.. التي تدور أطوارها بشراسة.. بعيدا عن أعين وآذان الجمهور العريض.. وذلك بين القصبة وباردو وقرطاج.. والتي تهدّد استمرار حكومة إلياس الفخفاخ.. وتسبّب له أرقا من فقدان كرسيّه بقصر الحكومة.. مباشرة بعد إنتهاء أزمة كورونا.. أو حتّى أثناء الأزمة إن تمادت لأشهر طويلة.. وتعكّرت الحالة العامّة للبلاد..!!
البعض ربّما ألهته أزمة كورونا حتّى عن التوقّف عند التصريح الأخير الملفت للإنتباه الذي صدر عن أمين عامّ حزب التيّار الديمقراطي.. ووزير الدّولة محمّد عبّو.. حين قال يوم السّبت الماضي في حوار صحفي مع راديو “نزاهة”.. بأنّ هذه الحكومة ستبقى لأربع سنوات كاملة رغما عن من يسعى لإسقاطها.. (أي لنهاية المدّة النيابيّة والرئاسيّة المتبقيّة).. وجاء على لسانه حرفيّا ما يلي:
“.. طبعا نعرف ثمّا برشة ناس يحبّو يسقّطوها (يقصد الحكومة).. هاذوك يحاولو.. يحاولو قدر ما ينجّمو.. أحنا ناويين باش نطّولو الحقيقة.. ونحبّو نكمّلو أربع سنين.. بالطريقة التي يتصوّروها هوما.. وألّي هي ديما تقعد في حدود القانون..”..!!
ويتضمّن هذا التصريح اعترافا واضحا وصريحا من محمّد عبّو بأنّ هناك من يعمل الآن على إسقاط الحكومة..!!
وبأنّ الحكومة في المقابل.. أو على الأقلّ جناح منها يمثلّه رئيسها الفخفاخ ومحمّد عبّو.. يعملون على إفشال تلك المساعي لإسقاطها.. ويخوضون صراعا من أجل البقاء في الحكم لمدّة الأربع سنوات المتبقيّة تقريبا قبل الإنتخابات القادمة..!!
كانت عدّة مؤشّرات وأخبار وتسريبات.. أفادت عن حالة إنقسام في الحكومة.. بين النهضة من جهة.. وبين بقيّة الشركاء في الإئتلاف الحاكم من جهة أخرى..
وعن حالة برود شبه كامل.. بين رئيس مجلس نواب الشعب وزعيم حركة النهّضة راشد الغنّوشي.. وبين رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ..
لعلّ آخر تجليّات تلك القطيعة والبرود وعدم الثّقة.. ظهرت في الخلاف والصّراع الخاصّ بطلب رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ تفويضا من البرلمان لإصدار مراسيم قوانين على معنى الفصل 70 من الدّستور.. ومبادرة البرلمان بإيعاز من النهضة وقلب تونس وإئتلاف الكرامة بمنح تفويض جافّ ومحدود جدّا ومقيّدا للفخفاخ.. يخالف تماما الصيغة الواسعة والشاملة التي طلبها رسميّا.. بما اعتبره البعض تقزيما له بطريقة مهينة سياسيّا..!!
وليس سرّا أنّ جهود تنسيق عالية تجري على قدم وساق بين أحزاب حركة النهضة وقلب تونس وإئتلاف الكرامة وربّما كتل أخرى وبعض المستقلّين.. لدراسة احتمالات وبدائل مرحلة ما بعد حكومة إلياس الفخفاخ.. وأنّ الأمر في تقديرهم وتخطيطهم قد لا يطول..!!
توقيت مبادرة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أخيرا وفجأة بتنفيذ إتّفاق تسمية المستشارين له بالقصبة المبرم مع اتّفاق تكوين الحكومة نفسها في نهاية فيفري 2020.. وإنطلاقه بتسمية مستشاري حزب حركة النهضة تحديدا.. يأتي بالتزامن الكامل أيضا مع أزمة حكوميّة جديدة.. كان من الغريب أن بقيت بعيدا عن الضجّات الإعلاميّة المعتادة..!!
فقد قرّر مجلس الوزراء المنعقد قبل يومين.. أي الخميس 23 أفريل.. المصادقة بالأغلبيّة على تفويض من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بمنح عدد مهمّ من صلاحيّاته.. بينها الإشراف على هيئات حكوميّة ورقابيّة عليا.. إلى محمّد عبّو.. وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد..!!
لكنّ وزير النهضة القويّ أنور معروف.. الذي يشغل حاليّا وزارة النٌّقل.. والمقرّب من رئيسها راشد الغنّوشي.. عارض ذلك التفويض صراحة بالجلسة.. وقال بأنّ حزبه يرفضه.. أيّ أنّه لم يعبرّ عن رأي شخصي فقط.. وإنّما عبّر عن رأي الحزب الشريك في الإئتلاف الحكومي..!!
إلاّ أنّه لم يقع تسريب أيّ أخبار عن مواقف بقيّة وزراء النهضة بحكومة الفخفاخ من ذلك التفويض.. وما إذا كانوا قد وافقوا عليه.. أو عارضوه.. أو اكتفوا بالتحفّظ والتأييد الصّامت لموقف أنور معروف.. !!
بالتزامن مع كلّ ذلك.. بادر إلياس الفخفاخ إلى تسمية قياديّين في حركة النهضة كمستشارين جديدين لديه بالقصبة..
يذكر أنّ مستشار الفخفاخ الجديد من النّهضة.. الشابّ أسامة بن سالم.. هو عضو بمجلس شورتها.. وهو شريك بقناة “الزيتونة” التلفزيّة.. وينظر إليه البعض على أنّه يقود جناح شبابي “متمرّد” داخل النّهضة.. ويقود جهودا “للتغيير والإصلاح” في الحركة بمعيّة قياديّين آخرين من القدماء.. بما يخالف الخطّ السياسي الجديد الطّاغي عليها منذ سنوات والذي سطّره زعيمها راشد الغنّوشي..!!
كما أنّ بن سالم في تواصل مع بعض الأحزاب الأخرى المحسوبة على الجناح الثوري مثل التيّار الديمقراطي وحركة الشعب.. وربّما كان من الفاعلين بقوّة في الشقّ الذي ساند التحالف ما بين النّهضة وما بين التيّار وحركة الشعب في تكوين الحكومة بعد الانتخابات التشريعيّة الأخيرة.. حتّى في زمن حكومة الحبيب الجملي..!!
وباعتبار أنّ الصدف في السياسة لا يعتدّ بها..
وباعتبار أنّ الفخفاخ امتنع منذ ما يقرب الشهرين عن تفعيل اتّفاق تسمية المستشارين المذكورين.. ثمّ بادر فجأة بتفعيله دون أيّ مقدّمات.. وبادر أوّلا بتعيين قيادات من النّهضة بالذّات كمستشارين له بالقصبة..!!
فإنّ السؤال يطرح نفسه عن الغاية الحقيقيّة.. والأهداف السياسيّة.. من ذلك التعيين.. في هذا التوقيت المريب.. وفي الظّروف الرّاهنة..؟؟!!
هل هو مجرّد تفعيل وتنفيذ من رئيس الحكومة لاتفاق سياسي سابق مع الأحزاب المكوّنة الإئتلاف الحكومي..؟؟!!
هل هي محاولة من الفخفاخ.. لترضية حركة النّهضة برفع عدد وزرائها ومستشاريها بالحكومة.. لإظهار توافقه معها.. حتّى تطمئنّ لمواصلة التعاون معه كرئيس للحكومة..؟؟!!
هل هي محاولة من الفخفاخ.. لإظهار وجود توازن بين زيادة ثقل محمّد عبّو وحزبه التيّار الديمقراطي في الحكومة.. وبين زيادة وجود وثقل وزراء ورجال النّهضة في رئاسة الحكومة تحديدا..؟؟!!
هل هي محاولة من رئيس الحكومة.. لاحتواء وتحييد ردّ فعل النّهضة على تصرّفاته وسياسته.. لوقف جهودها القائمة مع شركاء سياسيّين آخرين لدراسة فرضيّات ما بعد حكومة إلياس الفخفاخ..؟؟!!
أم هي وخلافا لكلّ ذلك.. أو مع ذلك.. محاولة أيضا لشقّ الصفوف داخل حزب حركة النّهضة نفسها.. باستقطاب شخصيّات قد تكون وازنة فيها.. وفي مجلس شورتها.. لكسب مؤيّدين وحلفاء داخل جسم حركة النهضة وبين قياداتها.. على الطريقة التي انتهجها يوسف الشاهد سابقا.. من أجل قطع الطّريق على أيّ قرار سياسي قد تتخّذه الحركة بإسقاط حكومة إلياس الفخفاخ.. بحجب الثّقة عنه وعن شركائه الآخرين.. وتعيين رئيس حكومة جديد بدلا عنه..؟؟!!!
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.