السبت 19 أبريل 2025
أحمد الرحموني
أحمد الرحموني

كيف تعدت وزيرة العدل على المجلس الأعلى للقضاء؟!

القاضي أحمد الرحموني

يظهر أن وزيرة العدل -من فرط نشاطها- قد استبقت ليس فقط رئيس حكومتها بل تجاوزت (وهذا مؤكد وشديد الحساسية أيضا!) صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء (وكذلك مجلس القضاء العدلي).

والأمر ليس بالبساطة التي نعتقد، إذ يتعلق (دون أن نتوه في التفاصيل) بقضايا الموقوفين في المادة الجزائية، فكما هو معلوم فإن التعليق الجزئي لعمل المحاكم قد اقتضى -تنظيما لسير العمل- إصدار مذكرة مطولة من المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 4 أفريل الجاري (موجهة لكافة المحاكم) اقتضت في تلك المادة بالذات “اقتصار النظر في المادة الجزائية على قضايا الموقوفين في المادة الجناحية فقط.. مع مواصلة النظر في مطالب السراح (تحقيق – جناحي – جنائي) مكتبيا”.

ومن المفروض أن يتواصل العمل بهذه التعليمات تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء (ومجلس القضاء العدلي) إلى حين تغييرها بنفس الصيغة، إلا أننا :

أولا. فوجئنا بصدور مذكرة عن وزيرة العدل بتاريخ 15 أفريل الجاري (تحت عنوان أكيد جدا)، موجهة إلى كافة رؤساء المحاكم العدلية ووكلاء الدولة والوكلاء العامين ووكلاء الجمهورية التابعين لها (وبالمناسبة لم نعثر على هذه المذكرة ببوابة وزارة العدل أو بصفحتها الرسمية بالفيسبوك). وقد تضمنت المذكرة -من حيث موضوعها- التعرض لنظر المحاكم في قضايا الموقوفين خلال فترة الحجر الصحي العام وأوردت “ان بعض الدوائر الجزائية لعدد من المحاكم لا تعقد جلساتها للنظر في قضايا الموقوفين وتقتصر على النظر في الإفراج على المتهمين سواء من تلقاء نفسها أو بناء على مطالب مقدمة في الغرض بخلاف ما تم اتخاذه من تدابير للعمل بمقتضاها خلال فترة الحجر الصحي الشامل (ملاحظة: وهي تدابير اتخذها المجلس الأعلى للقضاء) والتي اقتضت مواصلة المحاكم لنشاطها من نيابة عمومية وتحقيق ودوائر جزائية وأعمال الكتابة المرتبطة بها في إطار منظومة استمرار النظر في قضايا الموقوفين”.

وبناء على ذلك، وفي صيغة تقتضي التعليمات، دعت الوزيرة القضاة المعنيين “إلى الحرص على تأمين واستمرار انعقاد جلسات الدوائر الجناحية والجنائية الابتدائية والاستئنافية والتعقببية ودوائر الاتهام بصفة منتظمة للنظر في قضايا الموقوفين ضمانا لحقوق المتقاضين واحتراما لحقوق الدفاع مع أخذ التدابير الوقائية المستوجبة في الغرض”.
ومن الواضح أن مذكرة الوزيرة قد تعدت (شكلا ومضمونا) اختصاصها الإداري (وحتى السياسي) لتسطو على اختصاص المجلس الأعلى للقضاء الذي يضمن -طبق الدستور- “حسن سير القضاء واحترام استقلاله” (الفصل 114) وهو ما برر تدخل المجلس في تنظيم سير العمل وبالأخص صيغة النظر في قضايا الموقوفين. مع الإشارة إلى أن الوزيرة لم تبين في حدود ما يدخل في اختصاصها التدابير الوقائية المستوجبة لإنعقاد الجلسات.

ثانيا. فوجئنا بتصريحات صحفية لوزيرة العدل التي تحدثت عن محاكمة الموقوفين عن بعد واعتزام رئيس الحكومة إمضاء مرسوم خلال الأيام القادمة يتم بموجبه محاكمة الموقوفين عن بعد داخل قاعة وبتواصل مع قاعات الجلسات في المحاكم (شمس اف. ام – 18 افريل الجاري).
ولم يقتصر الامر على ذلك بل تعداه إلى تفصيلات وردت على لسان الناطق الرسمي باسم هيئة السجون والإصلاح الذي أفاد في نفس اليوم انه “يتم حاليا تهيئة فضاء بالسجن المدني بالمرناقبة سيخصص للمحاكمة عن بعد مع ضمان شروط المحاكمة من حيث العلنية وحضور المحامي” (موزاييك اف. ام – 18 أفريل الجاري).

ثالثا. في ضوء كل ذلك لم يداخلنا الاستغراب في استباق وزيرة العدل لمرسوم رئيسها (رئيس الحكومة) الذي سينظم المحاكمات عن بعد والتي قطعت -كما يبدو- اشواطا حتى ان قاعة بأكملها قد هيئت لها بسجن المرناقية.
لكن مصدر الاستغراب في كل ذلك هو تغييب المجلس الأعلى للقضاء وعدم ثبوت مشاركته في مسار “التبشير” للمحاكمات عن بعد أو حتى احتجاجه على تعدى وزيرة العدل على صلاحياته في تنظيم العمل القضائي..

ومهما كان، يبدو أن المجلس -الذي لم تقع استشارته أصلا- قد يكون عبر بصفة ضمنية عن عدم موافقته على مذكرة الوزيرة وذلك بإصدار مذكرة عن طريق مجلس القضاء العدلي (وهو أحد هياكل المجلس الأعلى للقضاء) بتاريخ 16 أفريل الجاري أي بعد يوم من توجيه مذكرة وزيرة العدل. وقد تضمنت هذه المذكرة الموجهة لكافة القضاة من الصنف العدلي إعلامهم “بضرورة مواصلة العمل وفق ما تضمنته المذكرة الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 4-4-2020 دون سواها الى حين إشعار آخر يصدر عن المجلس في الغرض”.

وفي الأخير ماذا بقي لنا أن نقول في مثال (لا يحتذى) هو تعبير عن غياب دولة القانون وانفلات التنسيق بين مؤسسات الدولة فضلا عن التعدي الواضح على استقلال القضاء واحترام القضاة ؟


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

أحمد الرحموني

لا أحد تحت القانون!

القاضي أحمد الرحموني لا أدري إن كنا نستطيع أن نزعم خصوصا في هذه الظروف أن الناس سواسية …

أحمد الرحموني

حوار بلا وسائط!

القاضي أحمد الرحموني أصبح من الثابت أن الحوار الذي يزمع قيس سعيد تنفيذه بعد تنظيمه بأمر رئاسي …

اترك تعليق