Site icon تدوينات

عظمة المواطن كريم رويحة.. وكردونة الرئيس قيس سعيّد..!!

عبد-اللّطيف-درباله

محامي وكاتب تونسي

عبد اللّطيف درباله

لم ينتخب النّاس قيس سعيّد ليبقوا فقراء يحمل لهم كراتين الأكل بيديه.. وإنّما انتخب النّاس قيس سعيّد ليعطوه سلطة تمكنّه من إخراجهم من الفقر.. ورفع الظلم والتهميش والجوع والفساد عنهم..!!

إنّ ساعة من عمل الرئيس قيس سعيّد في أداء مهامه الرئاسيّة بالصلاحيّات التي لديه.. وبالنّفوذ السياسي الواقعي الذي لديه اليوم على رئيس الحكومة وعلى بعض الأحزاب.. تعادل بالتأكيد ألف ساعة من حمله للكراتين الغذائيّة بنفسه وبيديه للمواطنين.. لأنّه حتّى ولو أنفق الرئيس كامل ساعات السنوات الخمسة لمدّته الرئاسيّة.. ليلا نهارا.. في توزيع الإعانات الغذائيّة.. فلن يستطيع أن يطعم إلاّ آلاف التونسيّين.. لأيّام معدوة.. وسيبقى مئات الآلاف دائما في حاجة إلى الغذاء طيلة بقيّة السنوات..!!

ما حصل بإحدى ضواحي مدينة القيروان من قبل رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.. ومواطن تونسي بالجهة.. سننظر له في هذا المقال من زاوية أخرى.. خارج سياق أزمة الكورونا وخطر كسر الحجر الصحّي وعدم احترام التباعد الاجتماعي..
سننظر للموضوع في هذا المقال من ناحية إجتماعيّة وسياسيّة بحتة..
فوفقا لرواية المواطن التونسي كريم رويحة.. وإذا ما أخذنا بصحّتها.. فإنّه قد اعترض موكب رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد فجأة في منطقته.. بينما كان يخرج من منزله لمحلّ بقالة بالقرب منه على الشارع الرئيسي.. وأخبر الرئيس بأنّ عشاءه تلك اللّيلة كان فقط مجرّد بيضة واحدة.. وأنّه بكى.. فتأثّر الرئيس سعيّد وبكى معه.. وأنّه وعده بالعودة إلى المنطقة لاحقا بعد إتمام زيارته.. لتمكينه من إعانة غذائيّة..
وفعلا فقد رجع الرئيس بعد ذلك ليلا.. وبحث الأمن عن صاحب “العظمة” (البيضة).. لتقديم رئيس الجمهوريّة كرتونة مساعدات له بيده شخصيّا..!!
وحدثت تلك اللّقطة الشهيرة التي صوّرت في تسجيل فيديو.. وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي البارحة واليوم..!!

سواء كانت رواية المواطن كريم رويحة.. صحيحة أم مغلوطة.. أو صحيحة نسبيّا مع بعض المبالغة..!!
فإنّ الثابت والصّحيح.. أنّ عشرات آلاف المواطنين في تونس قد لا يجدون لغذائهم وعشائهم أحيانا.. إلاّ بيضة واحدة فعلا.. أو ما قلّ من الطّعام.. أو بعض الخبز..!!!
فتونس دولة يعيش ربع سكّانها تحت خطّ الفقر.. وفق الإحصائيّات الرسميّة..!!
ونسبة هامّة أخرى قد تعيش فوق خطّ الفقر نظريّا.. لكن بإمكانيّات محدودة جدّا.. بحيث إذا ما توفّر لهم الحدّ الأدنى من الطّعام أو من ضروريّات الحياة.. فإنّ ذلك سيكون بالتأكيد على حساب أشياء أخرى.. منها دراسة أبنائهم.. أو انعدام المسكن اللاّئق.. أو انعدام العناية الصحيّة.. أو افتقاد الكثير غيرها من سبل الحياة الكريمة والآمنة..!!

الحقيقة أنّ توزيع الإعانات الغذائيّة.. ليس حلاّ..!!
إنّه كإعطاء المريض دواء مهدّئا باستمرار للتعايش مع المرض بطريقة مزمنة.. عوض معالجة المرض نفسه وتخليص المريض منه نهائيّا..!!
وكما يقول المثل المعروف.. لا تعطني سمكة.. بل علّمني كيف أصطادها..!!
وربّما بتفصيل أكثر.. نقول.. لا تطعمني سمكة.. بل علّمني كيف أصطادها.. وقدّم لي الصنّارة أو الشبكة أو القارب.. الذي يضمن لي صيدها باستمرار..!!!
لأنّ كرتونة طعام.. أو منحة ماليّة.. قد تمكّن مواطن تونسي.. أو عائلة تونسيّة.. من حاجتها للأكل ليوم أو أسبوع أو شهر.. ولكنّها لن تضمن للمواطن أو العائلة المحتاجة للأسف.. جميع حاجياتها الغذائيّة والحياتيّة أبد الدّهر..!!
وتحمّل الدّولة لنفقات غذاء مواطنيها هو واجب.. وهو مهمّ..
لكنّ الأهمّ من ذلك هو خلق مورد رزق لكلّ مواطن.. ولكلّ عائلة.. ويكون ذلك بخلق موطن شغل دائم له.. يغنيه عن مساعدتها.. ويغنيها عن مساعدته..!!!

السياسة الناجحة للدّولة هي التي تخلق بيئة مناسبة للاستثمار ولخلق مواطن الشغل والانتصاب للحساب الخاصّ.. ولخلق الثروات الصّغيرة والكبيرة.. ولضمان كسب الجميع للقمة العيش.. ولو في حدّها الأدنى..

إنّ إصرار رئيس الجمهوريّة على توزيع الإعانات بنفسه.. وعلى حمل كراتين المساعدات الغذائيّة بيديه مع العمّال والأعوان.. يمكن أن يكون حركة رمزيّة من الرئيس.. تطلق شرارة حملة مساعدات في ظرف خاصّ.. مثل أزمة كورونا.. أو شهر رمضان..
أو ليكون رئيس الدّولة قدوة للجميع.. ولسائر المسؤولين في الدّولة.. ولرجال الأعمال وغيرهم من المواطنين الميسورين القادرين على المساعدة..
لكنّ تكرّر هذه الممارسة.. واستمرارها في الزمن.. يخرج من رمزيّة الحركة.. ليدخل إلى عبث التصرّف..!!!
إنّ منصب رئيس الجمهوريّة أسمى من حيث الفعل والقدرة على مساعدة المواطنين.. من مجرّد تضييع رئيس الجمهوريّة لوقته وجهده وفكره.. في التنقّل بنفسه لتوزيع الإعانات وحمل الكراتين بيديه..!!
لأنّه حتّى ولو أنفق رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد كامل سنوات مدّته الرئاسيّة الخمسة.. ليلا نهارا.. على مدار السّاعة.. في حمل كراتين المواد الغذائيّة.. فلن يستطيع أن يُطعِم إلاّ آلاف التونسيّين.. لأيّام معدودات لا غير.. في حين سيبقى مئات آلاف التونسيّين دائما في حاجة إلى المواد المعيشيّة طيلة بقيّة السنة.. على مرّ السنين..!!

إنّ من هم في منصب الرئيس قيس سعيّد.. من هم في الحكم.. ولديهم السّلطة.. لديهم وسائل وفرص أهمّ بكثير وأشمل من مجرّد حمل وتوزيع وإيصال مئات أو آلاف الكراتين إلى مستحقّيها من المواطنين..!!
فلديهم سلطة القرار والفعل والصلاحيّات لخلق موارد رزق لمئات آلاف المواطنين التونسيّين.. وإطعامهم بلا “كردونة”.. ولا مساعدات..!!
لو فوّض الرئيس قيس سعيّد لفريق عمل مختصّ وموثوق القيام بتوزيع المواد الغذائيّة المتوفّرة.. في هذه الأزمة الظرفيّة.. وخصّص في المقابل تلك الساعات التي أنفقها في التنقّل بين الأحياء والجهات.. وحمل الكراتين.. للقيام بواجبه ودوره كرجل دولة.. ورئيس للجمهوريّة.. بطريقة فعّالة.. لاستطاع حقّا أن يوصل الطّعام إلى مئات أضعاف عدد المواطنين الذين أوصل لهم الطعام هذه الأيّام بيديه..!!!
إنّ الصلاحيّات الدستوريّة التي يختصّ بها رئيس الجمهوريّة.. والموارد البشريّة والوسائل الماديّة والآليّات القانونيّة والنفوذ السياسي والمعنوي.. التي هي جميعا بين يدي الرئيس قيس سعيّد اليوم.. تمكنّه من إقرار أفكار وبرامج وطنيّة وآليّات ومشاريع قوانين.. تساعد في تحسين ظروف نسبة كبيرة من الشعب التونسي.. وخلق موارد رزق لهم.. وتنظيم رعاية الدّولة لهم باستمرار.. لا بكراتين ظرفيّة ووقتيّة ومحدودة..!!

إنّ قيس سعيّد بالذّات.. ودونا عن الكثير من الشخصيّات السياسيّة في الحكم اليوم.. أتيحت له الفرصة للتجوّل بجميع مناطق الجمهوريّة التونسيّة طيلة سنوات.. من 2011 إلى 2019.. بمدنها ومعتمديّاتها وقراها وأريافها و”دشراتها”..
وقد جلس سعيّد وتناقش مع آلاف المواطنين والشباب.. من مختلف المستويات الاجتماعيّة والمادية والثقافيّة.. من الفقراء والأميّين والمهمّشين.. إلى الطلبة وخرّيجي الجامعات والإطارات.. وأخذ فكرة عميقة عن واقع تونس.. وعن واقع الشعب التونسي..
وكانت تلك بالذّات نقطة قوّة قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسيّة.. والتي جعلت نسبة هامّة من الشعب التونسي تؤمن به.. وتعتقد بأنّه يعرف فعلا واقعها ومشاكلها وطموحاتها وأحلامها.. وأنّها يمكن أن تثق به ليصنع ربيعها.. بعيدا عن رجال السياسية التقليديّين الذين خذلوا عامّة الشعب.. قبل وبعد الثورة..!!

لم ينتخب النّاس قيس سعيّد ليبقوا فقراء يحمل لهم كراتين الأكل بيديه..!!
وإنّما انتخب النّاس قيس سعيّد ليعطوه سلطة تمكنّه من إخراجهم من الفقر.. ورفع الظلم والتهميش والجوع والفساد عنهم..!!

كان على الرئيس قيس سعيّد أن يستعيد ذلك.. وأن يستوعب كنه وجوهر إرادة الشعب فعلا..
وأن يستعمل ما لديه من آليّات.. ووسائل.. بوصفه رئيسا.. وأن يحوّل قصر قرطاج إلى خليّة نحل مفكّرة ومبتكرة.. تبحث عن حلول لمشاكل الفقر والجوع والصحّة والتعليم في تونس..!!
وأن يحوّل كلّ ذلك إلى اقتراحات.. وإلى مشاريع قوانين يقترحها رئيس الجمهوريّة طبق ما يخوّله له الدّستور.. على مجلس نواب الشعب.. ليفرض تطبيقها واعتمادها على الحكومة وعلى الدّولة..!!
لا نعتقد بـأنّ النواب والأحزاب في البرلمان يمكنها أن تعارض أو تسقط بالبرلمان.. أفكارا أو قرارات أو مشاريع قوانين.. تحمل حلولا للمواطنين التونسيّين.. وتبشّر بإحداث أثر إيجابي في حياتهم..!!
فحتّى بافتراض وجود بعض التنافس أو الخلافات السياسيّة.. بين الأحزاب بعضها ببعض.. أو بينها وبين رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.. فإنّ المبادرات الإيجابيّة ستحرجها بلا أدنى شكّ.. ولن تستطيع أن تدفع الثمن السياسي والشعبي الباهظ لمعارضة وإسقاط ما فيه خير بيّن لعامّة النّاس..!!

يملك رئيس الجمهوريّة الفضاء والبنية التحتيّة.. وهو قصر قرطاج.. الذي يمكنه أن يسع لوجستيّا فريق عمل هائل من مئات المستشارين والموظّفين..
وتملك رئاسة الجمهوريّة الميزانيّة الماليّة اللاّزمة.. ويمكنها التمتّع بالمزيد..
ويمكن للرئيس أن يبعث خلايا تفكير وبحث.. وأن يستعين بمستشارين وباحثين ومفكّرين.. قارّين ومتعاونين..
ويمكن للرئيس أن يطلب المدد أو المساعدة من الحكومة.. ومن أستاذة الجامعات والأكاديميّين وأصحاب الخبرة في جميع المجالات.. داخل وخارج تونس..
وتملك رئاسة الجمهوريّة أصلا مركزا للدراسات الاسترتيجيّة بقرطاج.. من مهامه إتمام مثل هذه المهام.. والقيام بالبحوث والدراسات الاستراتيجيّة لتحسين واقع التونسيّين..
والرئيس نفسه أستاذ قانون دستوري.. ويمكن له الإستعانة أيضا بخبراء قانون آخرين.. للتشريع وإعداد نصوص القوانين التي تبلور تلك الحلول..

إنّ ساعة من عمل الرئيس قيس سعيّد في أداء مهامه الرئاسيّة بالصلاحيّات التي لديه.. وبالنّفوذ الواقعي الذي لديه اليوم على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ.. وعلى بعض الأحزاب المكوّنة للائتلاف الحكومي.. تعادل بالتأكيد ألف ساعة من حمله للكراتين الغذائيّة بنفسه للمواطنين.. بمجهود لن يكون كافيا لكلّ الناس.. كلّ الوقت.. مهما فعل..!!!

Exit mobile version