الثلاثاء 24 يونيو 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

من يسائل الرئيس ؟

نور الدين الغيلوفي

أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا رئاسة بمناسبة مكالمة هاتفيّة استهدفت منه إنارة الرأي العامّ الوطنيّ والدولي:

البيان كما هو من المصدر:

(أجرى رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد ظهر اليوم الثلاثاء 14 أفريل 2020 مكالمة هاتفية مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وتناولت المكالمة العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين واستعداد دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم تونس في مواجهة جائحة كورونا العالمية.
وذكّر رئيس الدولة في هذا السياق بمناقب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وحسه الإنساني، كما ذكّر أيضا بدور الإمارات العربية المتحدة في دعم تونس ومساهمتها في الكثير من المشاريع في بلادنا.
كما تناولت المحادثة المبادرة التي تقدمت بها تونس إلى مجلس الأمن الدولي حتى تكون مواجهة هذه الجائحة العالمية مواجهة موحدة تعكس بالفعل وحدة الأمم.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان استعداد بلاده للوقوف إلى جانب تونس في مواجهة هذه الجائحة فضلا عن الاستعداد لدعم بلادنا عبر عديد المشاريع في المستقبل.)

التعليق على البيان:

لم نكن ننتظر من رئيس جمهوريتنا المنتخب أن لا يجد ما يعمله غير أن يدبّج بيانا يحكي فيها مكالمة هاتفيّة مع مسؤول دولة أخرى كلّ الذي قال فيها وعود لخصتها الرئاسة في قولها (وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان استعداد بلاده للوقوف إلى جانب تونس في مواجهة هذه الجائحة فضلا عن الاستعداد لدعم بلادنا عبر عديد المشاريع في المستقبل).

ولنا هذا على هذا البيان ملاحظات:

اللغة الخشبيّة:
• في توزيع الألقاب الزائفة على قيادة دولة الإمارات التي لا قيمة لها في غير الأموال التي تحت أيديها… “صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة”.. والحقيقة أنّ عيال زايد ما هم سوى أطفال كلّ قيمتهم أنّ والدهم كان شيخ قبيلة اجتمعت حولها قبائل الجوار فجعل منها النفط دولة وجعل من زعماء القبائل أصحاب سموّ… فمن أين جاءهم السموّ؟ وكيف سَمَوْا؟
وهل كنتم ستحسبون لهم حسابا لولا أنهار النفط السائلة من تحتهم؟

• “وتناولت المكالمة العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين”… هذه جملة موغلة في التخشّب لأنّ رئاسة الجمهورية تعلم جيّدا ما يفعله عيال زايد بثورات الربيع العربي وبالشعوب التي يتغنّى الرئيس بإرادتها… فهل استفتى سيادته الشعب في عقد صلة بدويلة الإمارات الراعية للإرهاب المنقضّة على ثورات الربيع العربي المنتهكة لحرمات الدول؟ وإذن، فلا أخوية ولا يحزنون… هذه عصابة نفطية تخشى الشعوبَ على ثرواتها وسلطاتها، فهي تصادر حقوقها وتسومها سوء العذاب في سوريا واليمن وليبيا ومصر وفي كلّ ناحية من نواحي البلاد العربيّة.. فهل يُعقَل أن نسلم لها رقابنا؟

مربط الفرس:

• الطلب: “واستعداد دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم تونس في مواجهة جائحة كورونا العالمية”.. هذه بؤرة بيان الرئاسة.. “دعم تونس”.. ولكن ما هو المقابل يا سيادة الرئيس؟ ما هو الثمن الذي تزمعون تقديمه لعيال زايد لقاء مساعدتهم التي تُمَنّون بها النفس؟ أم تراهم يفعلون الخير لوجه لله ولوجه “العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين”؟ ولماذا نرضى بأن نكون في مقام المتسوّل نبحث عمّن يمدّ لنا يد العون؟ هل هذه هي الكرامة الوطنيّة؟

• الإجابة: “وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان استعداد بلاده للوقوف إلى جانب تونس في مواجهة هذه الجائحة فضلا عن الاستعداد لدعم بلادنا عبر عديد المشاريع في المستقبل”.. وَعْدٌ معلّق في الفضاء محكوم بشروطه.. والقبول بالشروط ارتهان لعصابة الإمارات وتعريض للأمن الوطني للخطر.. انظروا ما فعلته الإمارات بالدول التي تدخّلت فيها.. لقد حوّلتها إلى دول فاشلة وصارت هي الآمر الناهي بها.. قهرت شعوبها وأفسدت حياتها…

انسياق الرئاسة:

وهذه فقرة من الأعمال اللغوية على الحساب: “وذكّر رئيس الدولة في هذا السياق بمناقب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وحسه الإنساني، كما ذكّر أيضا بدور الإمارات العربية المتحدة في دعم تونس ومساهمتها في الكثير من المشاريع في بلادنا”…

الكلام مديح للعيال بمناقب والدهم.. ويتضمّن اعترافا بأنْ لا مناقب لهم.. واعترافا بحكم وراثيّ عضوض لا معنى فيه للشعب الذي يريد والذي يعرف ماذا يريد.. فهل يُقبل من الرئيس احترام إرادة الشعب على المستوى الوطنيّ والعبث بها على المستوى الدولي؟

أمّا عن مساهمة دولة الإمارات في الكثير من المشاريع فحديث أجوف.. وكلام مرسَل لا معنى له.. وإلّا فما معنى أن “يتهاتف” مسؤولا دولتين ليتذاكرا أمورا ماضية؟ وهل يستحقّ ذلك أن يكون حدثا تصدر بشأنه البيانات ويُؤَرَّخ له؟

“كما تناولت المحادثة المبادرة التي تقدمت بها تونس إلى مجلس الأمن الدولي حتى تكون مواجهة هذه الجائحة العالمية مواجهة موحدة تعكس بالفعل وحدة الأمم”…

هذه فقرة مستنسخة من بيانات كان يصدرها بن علي.. ذهب وتركها في الأدراج ولم يفعل الرئيس غير نسخها.. غير أنّ بن علي كان يقترح مبادرات الصناديق.. كلام فارغ لا معنى له.. إذ الدول تتقوقع حول نفسها في ظلّ جائحة كونية حكمت على العالم بالتباعد.. ولا نظنّ أنّ للرئيس التونسيّ اقتراحا عبقريا لم يهتد إليه خبراء العوالم من حولنا…

كيف نفهم البيان؟

يساعدنا على فهم “خبر المهاتفة” تصريح وزير الدفاع التونسيّ للإعلامية سماح مفتاح عندما نعت القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية بأنّها “مليشيات مسيطرة على المعابر”.. ويظهر ما في التصريح من استفزاز لحكومة معترف بها دوليا ومساواة لها بجيش من المرتزقة يقوده أسير حرب سابق يحمل الجنسية الأمريكية قدم على دبابات متعددة الجنسيات لوأد الثورة الليبية خدمة لأجندات دولية تتقاطع فيها دول عديدة من أهمها فرنسا والإمارات ومصر والسعودية وروسيا عيونها على ثروات القطر الليبيّ الهائلة.

لسنا نطالب رئيس الجمهورية بأن ينحاز إلى حكومة فائز السراج ولكننا لا نريد له أن ينحاز إلى خصومها.. كنّا نريد منه أن يقف على الحياد.. فما الذي يفعله وقوات حفتر تتهاوى وتفقد مواقعها وتخسر حصونها؟ وما الذي يستهدفه؟
الأمر مثير للريبة فعلا…
نرجو ألّا يَصْدُقَ ما كتبه الإعلاميّ المصريّ أحمد منصور من أنّ (هناك تسريبات عن وجود عشرات الضباط والمستشارين العسكريين المصريين والإماراتيين والفرنسيين الداعمين لحفتر محاصرين فى قاعدة الوطية الجوية جنوب غرب طرابلس وأن حكومات هؤلاء تضغط على تونس لتهريبهم برًّا عبر الحدود لصعوبة انتشالهم جوًا… هل ستسبق قوات الوفاق وتحّولهم لأسرى وقتلى أم سيهربون؟)… ذلك ما دوّنه أحمد منصور..

وإنّا لنرجو أن لا تقع بلادنا فريسة ابتزاز دول أجنبية نعلم جميعا أنّها لا تريد لنا خيرا.. فنضيع ما بنيناه من سلمنا الاجتماعي ونخسر شعبنا الليبيّ الذي يمثّل امتدادنا الاستراتيجيّ ويربطنا به مصير مشترك.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين الغيلوفي

ليس لنا حلّ غير الالتقاء

نور الدين الغيلوفي نقطتان ألحّتا عليّ اليوم 1. لست حزينا ولا متشائما. لا أميل إلى …

نور الدين الغيلوفي

قال لي الفيلسوف عن الكتلة التاريخية

نور الدين الغيلوفي سألتُ الفيلسوف، – أما زلت تؤمن بالمشترك وتنادي بالكتلة التاريخية؟ فأجابني: – …

اترك تعليق