نور الدين الغيلوفي
قلنا إن الفيروس قد زلزل الأرض من تحت أقدام البشر فتداعت له الدول وحبست البشرية أنفاسها… وفقدت الإيقاعات المعتادة جميع موازينها وانفرط ما كان من عقود.. وانتظامات.. ودبّت الفوضى داخل النفوس وخارجها.. حتّى تجرّأت دولٌ محترَمة على ممارسة القرصنة فاستولت على معدّات طبيّة كانت في طريقها إلى دول محترَمة أخرى استوردتها بأموالها من دول محترمة ثالثة بمنطق “ليسوا أولى بها منّا”…
كأنّ كرورنا، فعلا، قد جبّت ما قبلها.. وهدمت معتادَ الجُسور.. وأزالت مرعيَّ الحدود…
•••
إسبانيا ترزح تحت صفعات الفيروس لا تقدر على مواجهته بأكثر من البحث عن مدافن للموتى.. خلت المدن من الناس وظلّت علامات الطرقات بها تعمل في الفراغ لا تجد من تُعلمه.. خطوات محدودة معدودة تجوب طريقا قد لا يحظى طريق غيره بنظير لها.. الناس فقدوا الحاجة إلى الكلام.. يطلّون من شرفاتهم لتحيّة الطواقم الطبيّة التي احتلّت المدن واستأثرت بالحركة فيها استجابة لمن ارتفعت من السكّان حراراته.. بقرع الأواني…
•••
إيران مثل الصين تحوّلت إلى ميدان لصولات الفيروس.. الحذر باد من حركة عابري بعض الطرقات لقضاء حاجات الضرورة.. لم تسلم في إيران الطواقم الطبيّة ولا حتّى القيادات السياسية من الإصابة.. فيروس كورونا لا يرى نياشين على الأكتاف ولا عمائم على الرؤوس.. ولا يعبأ بألقاب للواقفين على أعتاب الآلهة… يتسلّل إلى صدر من شاء معمورًا بالإيمان، كان، أو بالزندقة.. ولا يستأذن أحدا ولا يخشى من طويّة صدر أحد…
•••
لدولة بريطانيا “العظمى” فيروسها.. لم يعصمها خروجها من الاتّحاد الأوروبي من الوباء المنتشر.. انتقل إليها مع غير عُملته.. ولم يحمها الجنيه الاسترليني المنطوي على نفسه من أن تنتقل إليها العدوى.. بل لقد طرق الفيروس باب الأنجليز بعنف فأُصيب وليّ عهد التاج.. ولم يسلم وزير الصحّة بها.. بل بلغ الفيروس حصن رئيس الوزراءفدكّه دكّا.. أوقع به فأبلغه منزل العناية المركّزة حتّى أذن لوزير خارجيته بنيابته في إدارة شؤون المملكة…
•••
الولايات المتّحدة الأمريكيّة سيّدة الأرض وشرطيّ العالَم لم تكن في مأمن من حلول الفيروس بها.. لم يعبأ بصلف رئيسها الحاكم ولا بعنترياته وقد ظهر على الشاشات مزهوّا كطاووس يعلّم الشعب الأمريكي كيف تستهين امبريالية عظمى بفيروس لا يُرى بالعين المجرّدة…
ولم تمض أيّام حتّى تعالى صراخ الشعب الأمريكي من “المسّ” الذي أصابه فسحق منه الآلاف.. الأمريكان مرّوا إلى عدّ الموتى وقد هان عليهم، أمام انتشار الموت المرعب، إحصاء المصابين بفيروس كوفيد-19…
(يتبع)