عبد القادر الونيسي
ربما نحن من الشعوب التي تنظر إلى ذاتها بعين النقصان وهذا حصيلة تراكمات تاريخية من الإستبداد والتحقير تقتل في الناس الثقة في النفس وتدفعهم إلى إعتزال الشأن العام والبحث عن الخلاص الفردي وهي وصفة الديكتاتورية المفضلة للإستفراد بالناس.
المؤكد عندي أن مناخات الحرية التي جاءت بها الثورة بدأت تغير في علاقة الناس ببعضهم وبالوطن وبدأ منطق الإطمئنان يحل مكان منطق التوجس ومنطق المواطنة يأخذ مكان منطق الرعية أي بالعبارة الشعبية بدأنا ننتقل من وضعية الكاري إلى وضعية الملاك.
هذا ما يفسر عندي نجاح الشعب في التصدي بأقدار عالية لكل الإختبارات التي مر بها بعد الثورة.
تصدى الشعب بشجاعة لمحاولة الإنقلاب على الثورة منذ القصبة إلى دعوات أخرى لم تهدأ تمولها جهات معلومة تخاف من إنتقال عدوى الحرية إلى شعوبها.
الإبداع التونسي يتمثل كذلك في التصدي للإرهاب ودحره بل كانت بداية إنهياره الإقليمي ملحمة بن ڨردان والتي حسمها الشعب قبل أن يحسمها الجيش.
ما دفعني لهذا الإستطراد هو الإنفجار الإبداعي الذي حصل مع نزول فيروس الكورونا بأرضنا.
من روبوات صنع محلي تجوب الشوارع للمحافظة على سلامة الناس إلى إكتشاف الخارطة الجينية للفيروس في وقت قياسي إلى آلات تعقيم متطورة وواقيات يبتدعها طلاب معاهد الهندسة إلى تحاليل تظهر نتائجها في وقت قياسي إلى عودة روح التطوع المدني خارج الدولة والأحزاب لمواجهة الوباء بإبداع أشكال جديدة من العمل الخيري والمساهمة في توفير مستلزمات الوقاية من خلال صناعة محلية إنطلقت من رحم المجتمع.
بل حتى المستشفى والعاملين فيه وهو أحد النقاط السوداء قبل محنة الكورونا سرت فيه فجأة روح جديدة وانتقل إلى مرحلة جديدة من المقاومة والفدائية للدفاع عن الوطن وأهله.
البلاء الذي يقدمه الشعب في أبهى مظاهره لم تتأخر نتائجه، اليوم تونس تلفت أنظار منظمة الصحة العالمية بالعدد المنخفض لعدد الضحايا وهي البلد المفتوح الذي يؤمه عشرة ملايين زائر على الأقل في السنة فضلا عن أكثر من مليون مهاجر أي نسبة العدوى عالية جدا.
مازالت قطعا عقبات كثيرة على الطريق لكن المحن والإبتلاءات هي التي تصنع الرجال والأوطان.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.