حدثَ هذا منذ ربعِ قرنٍ عندما كنتُ ماركسيًّا: عاملٌ علّمني كَمْ يَزِنُ القرآنُ في قلوبِ المؤمنينَ!

محمد كشكار

مواطن العالَم

عاملٌ صديقٌ كان في خلافٍ مع زوجته، استنجدَ بنا -أنا وصديق، ماركسي أيضًا- للتدخل بالحسنَى وتسوية الخلاف بينه وبين زوجته. كانت زوجته تتهمه بإقامة علاقات مع زميلاته في المصنع، وكان هو ينكر ما نُسِبَ إليه، وكنا، نحن، نثق في صديقنا ونصدّقه.

زوجته لم تكن تصدّقه واشترطت عليه أن يحلف على المصحف لو كان صادقًا. رفض شرطَها، أصرّ على الرفض وألحّ.
طلبْنا الإذن من زوجته واصطحبناه إلى مقهى مجاورٍ من أجل إيجادِ حلٍّ لهذه المعضلة. صارَحَنا وقال أنه أقام علاقات زمالة مع العاملات لا أكثر ولا أقل. قلنا له: احلف إذن. قال: لا يمكن. قلنا: لماذا؟ قال: لا أستطيع أن أحلفَ على القرآن بالكذب. قلنا: الكذب في المصالح جائزٌ. قال: إلا مع القرآن.
حاولنا إقناعَه أن الغايةَ نبيلةٌ، الحفاظ على تماسك العائلة، وربي يغفر ويسامح. رغم إلحاحِنا، رفضَ رفضًا باتًّا وقاطعًا. فشلنا في مهمتنا بسبب إيمانه القوي وخشيته من الله وخوفه من الحلف على القرآن كذبًا حتى ولو كانت كذبة صغيرة لتحقيق مصلحة كبيرة. يومها فقط عرفتُ مكانة القرآن في قلوب المؤمنين، إيمانٌ كنتُ أحسبه أفيونًا. بعد هذه الحادثة بسنوات، قرأتُ كتابًا فعرفتُ أن ماركسيتي هي الأفيون، “أفيون المثقفين”! (L’Opium des intellectuels (le marxisme), Raymond Aron, 1955)

إمضائي (مواطن العالَم البستاني، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ “الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي” – Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle):
“وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر” (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence. Le Monde diplomatique

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 31 ديسمبر 2019.

ملاحظة ديونتولوجية (من الأخلاق): قبل نَشْرِ هذه القصة الحقيقية ورغم أنني لم أذكر اسمَه، عَرَضْتُ نصَّ المقالِ أعلاه على صديقي بطل القصة طالبًا إذنَه قبل النشرِ. قرأ وأذِنَ لي فنشرتُ.

Exit mobile version