وليد حدوق
إنما من الأشياء اللي ماذا بينا السادة الخبراء الاستراتيجيين ينتبهوا وهوما يحللوا في المؤامرات وأننا في عصر ما بعد الناتو، وأنّ هذا الحلف لم يعد أبدا كما كان عليه لأسباب عديدة منها أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدّة لتحمّل نفقات الأمن الأوروبي.. وعلى وجه التحديد سنة 2020 ستكون مفصلية باعتبار نتائج الانتخابات الأمريكية، وإذا ما انتصر ترامب هذا قد يعني التسريع في نهاية الناتو كحلف. وبالمناسبة الحديث عن احتمال انسحاب الأتراك منه من ناحية، وبناء محور أمني أوروبي روسي (وهو سيناريو تتحمس له فرنسا تحديدا) لم يعد سرا…
في إقليمنا، شمال إفريقيا والمتوسّط، الانسحاب التدريجي للأمريكان والناتو لن يؤدى إلى عالم جميل تبدأ أنت فيه محايد وعلى نفس المسافة والعصافير تزقزق وتصفق لك…
الانسحاب بدأ يسرّع في صراع قوى إقليمية على النّفوذ في أكثر من ملفّ، وواحد من الملفّات هو إعادة ترسيم الحدود البحرية في المتوسّط… ونحب نثير انتباه سادتنا الخبراء وأنّ الأشقّاء في المغرب -ربي يوفقهم- أثاروا سخطا اسبانيا منذ أيام بعد تمرير قانون بخصوص الحدود البحرية المتوسطية بينهم وبين اسبانيا… ثمّة في هالموضوع البحري الثروات من غاز وصيد بحري، وثمّة فكرة “Power projection” حتى للقوى المتوسطة والصغيرة والتي أصبحت أيسر بحكم التطور التكنولوجي… أصلا ثمّة سؤال مطروح عن جدوى حاملات الطائرات بسبب كلفتها عند القوى الكبرى وثمة تفكير في الاستثمار في الأشياء الأصغر والأسرع…
وتونس في هذا الكلّ؟
ثمّة قوى إقليمية صاعدة تريد زعزعة أو إعادة ترتيب الأوراق في المتوسّط، وثمة قوى محافظة من شمال المتوسط تبحث عن الحفاظ على النظام القديم وموازين قواه وربما تدعيمه بأشكال جديدة، مثلا المشروع الذي أجهضه الاتفاق البحري الليبي التركي والمتمثل في خط لنقل غاز طبيعي من الكيان الصهيوني إلى إيطاليا بالتفاهم مع مصر واليونان وبما يقلل من الاعتماد على الغاز الجزائري في جنوب أوروبا…
ورغم كل هذا التخوف من نزعة هيمنية للأتراك مفهوم وشرعي، ولكن لا يجب أن يجرنا ذلك لموقف ساذج أو لموقف ضد مصالحنا المتطابقة مع المصالح الليبية والمغاربية في تحريك مياه المتوسط إذا كانت الفرصة تسمح. الشرط الوحيد الضروري للتوازن مع الأتراك هو عبور إخوتنا الجزائريين لهذه المرحلة بسلام وعودة الجزائر للعب دورها وواجبها التاريخي في المنطقة.