نور الدين الغيلوفي
2. رضا لينين والنظريّة العالميّة الرابعة:
للتاريخ.. كانت عبارة “أستاذ” هي عملة التداول بين الضيف وصاحب البرنامج.. وعلامة على مودّة بادية شاهدة على كرم المضيّف وانبساط الضّيف، على امتداد حلقتي الحوار الطويل، في برنامجٍ مستنسَخ من برنامج “بلا حدود” لمذيع الجزيرة الشهير أحمد منصور.. كان برهان يقول: أستاذ رضا.. فيجيبه رضا: أستاذ برهان…
للتاريخ.. بدا رضا لينين كما لو كان نازلا لتوّه من السماء يملك مفاتيح السحر التي ادّخرها الزمان لخاتمته.. حليق الذقن.. أنيق الملبس.. مسترخيا في مجلسه.. لا يُرى عليه أثر السفر كأنّه خلاصة شباب الثورة مردّد عبارة “الشعب يريد” الشهيرة المقتبَسة من الشاعر أبي القاسم الشابيّ…
للتاريخ.. بدا الرجل في هيأة جديدة تليق بحامل مفاتيح التاريخ جالسا على باب المدينة الفاضلة التي ستنسخ الشرّ المسكون به العالَمُ من يوم مقتل هابيل بن آدم على يدي قابيل بن أبيه.. كأنّ رضا لينين كان محجوبا بين ريش الغراب المبعوث من السماء ليريَ القاتل كيف يواري سوأة أخيه القتيل…
للتاريخ.. اعترف رضا لينين فقال ساخرا من النظام السياسيّ القائم: “على فكرة أنا دوبلت 10 سنوات سنة رابعة تعليم عال.. التو ما فهمت شنو نظام رئاسي ونظام برلماني.. وقررت ما عادش نحب نفهمو أصلا.. في ما يخصني أنا.. أنا نحب نظام سياسي ديمقراطيّ”.. وما دامت الأنظمة الديمقراطيّة المعروفة لم ترق إلى فهم السيّد رضا فلا نفع يرجى منها ولا فائدة تُنتَظَر…
للتاريخ.. لم تعد من ديمقراطيّة إلّا تلك التي قرّر رضا لينين، قُدّس سرُّه، أن يفهمها،.. وتبدأ ديمقراطيّة الأستاذ رضا من سؤال “ما معنى النظام السياسي الديمقراطي؟” والسؤال من طَرْحِهِ هو استدعته البيداغجيا التي يشتغل بها عقله التعليميّ.. وقبل أن يضع الأستاذ الجليل التعريف الشافي الكافي وصف برنامجه فقال: ” الدولة تشهد تفكّكا شاملا في أغلب مناطق العالم”.. وهذا البرنامج الجديد هو البرنامج الأوحد الذي سينقذ الدولة ممّا تسير نحوه..
للتاريخ.. وجدت تقاطعات بيّنة بين مقولات الجهبذ رضا لينين ووبين ما تركه العقيد معمّر القذّافي في كتابه الأخضر.. يقول القذّافي في الفصل الأوّل من الكتاب الأخضر: “إنّ الكتاب الأخضر يقدّم الحلّ النهائيَّ لمشكلة أداة الحكم، ويرسم الطريق أمام الشعوب لتعبر عصور الدكتاتوريّة إلى عصور الديمقراطيّة الحقيقيّة”…
يقول رضا لينين: “يريدون الوصول بالدولة إلى العجز التام” لذلك “أدركنا أن الدولة مستهدفة وعلينا حمايتها.. ليس بإعادة بناء نفس الدولة”.. وفي روح قذّافيّة لا غبار عليها يمضي فيقول: “نحن نستنهض كافة العلامات المضيئة في تاريخ البشرية والإنسانية”.. تماما كما جاء في الكتاب الأخضر:
“أن الديمقراطية التقليدية السائدة في العالم الآن تخلع القداسة والحصانة على عضو المجلس النيابي بينما لا تقر ذلك بالنسبة لأفراد الشعب، ومعنى هذا أن المجالس النيابية أصبحت أداة لسلب السلطة الشعبية واحتكارها لنفسها، وأصبح من حق الشعوب اليوم أن تكافح من خلال الثورة الشعبية من أجل تحطيم أدوات احتكار الديمقراطية والسيادة السالبة لإرادة الجماهير المسماة المجالس النيابية، وأن تعلن صرختها المدوية المتمثلة في المبدأ الجديد (لا نيابة عن الشعب). أما إذا انبثق المجلس النيابي عن حزب نتيجة فوزه في الانتخابات فهو في هذه الحالة مجلس الحزب وليس مجلس الشعب، فهو ممثل للحزب وليـس ممثلاً للشعب. والسلطة التنفيذية التي يعينها المجلس النيابي هي سلطة الحزب الفائز وليست سلطة الشعب. وكذلك بالنسبة للمجلس النيابي الذي ينال كل حزب عدداً من مقاعده، فأصحاب تلك المقاعد هم ممثلون لحزبهم وليسوا للشعب، والسلطة التي يقيمها هذا الائتلاف هي سلطة تلك الأحزاب المؤتلفة وليست سلطة الشعب. إن الشعب في مثل هذه الأنظمة هو الفريسة المتصارع عليها، وهو الذي تستغفله وتستغله هذه الأدوات السياسية المتصارعة على السلطة لتنتزع منه الأصوات وهو واقف في صفوف منتظمة صامتة تتحرك كالمسبحة لتلقـى بأوراقها في صناديق الاقتراع بنفس الكيفية التي تلقى بهـا أوراق أخـرى في صناديق القمامة.. هذه هي الديمقراطية التقليدية السائدة في العالم كله سواء النظم ذات الحزب الواحد أو ذات الحزبين أو ذات الأحزاب المتعددة، أو التي بدون أحزاب. وهكذا يتضح أن (التمثيل تدجيل).”..
إنّ كلّ ما لا يوافق هوى السيّد رضا لينين، الراسب عشر سنوات في السنة الرابعة حقوقًا، ولا يواتي فهمه إنّما هو محض “خرافة من جملة الخرارف”.. أو كما قال…
ولمّا بلغ به محاوره لحظة المماثلة بين قيس سعيد و”ماكرون” و”ترامب” اللذين وصلا مثله إلى سدّة الحكم بفضل وسائل التواصل الاجتماعيّ في تصاعد لافت للشعبويّة في العالَم أعرض نأى بجانبه.. وأنكر التشابه.. لأنّ قيس سعيّد في نظره نسيج وحده وليس من العدل ولا من العقل مقارنته بسواه.. وذلك ببساطة لأنّ “الحكم الديمقراطي الحقيقي موش الديمقراطي المزيّف.. إيجا حاسبني بعد 5 سنين”.. فهل رأيتم أكثر من النفي حجّة إقناع؟
“الشعب تثقّف وتعلّم ويعرف ما يريد”.. أمّا النخبة التي “كي نلمدوها الكل 3 كيران يهزّوهم” فإنّها لم تتعلّم ولم تتثقّف ولا تعرف من الأمر شيئا.. ولأنّ السيّد رضا لا يحتاجها فقد أجاز الشعبَ ولم يُجزْها.. لأنّها حسب نبوءته “تسير نحو النهاية”.. وذلك “يوم يُعطى للشعب ما يحتاجه”.. وهنا ليس لك أن تتساءل من الذي بوسعه أن يعطيَ الشعب ما يحتاجه.. مثلما ليس لك أن تدّعيَ أنّ السيّد رضا قد صار هو الواسطة في زمن يزعم فيه زوال جميع الوسائط.. الشعب وحده هو الحَكَم والحاكم ولا يحتاج وسيطا ولا نائبا ولا برلمانا ولا حكومة.. لأنّه ليس للديمقراطية إلّا أسلوب واحد ونظريّة واحدة.. وهي (المؤتمرات الشعبيّة) و(اللجان الشعبيّة) و(اللجان في كلّ مكان).. أو كما قال الزعيم الأمميّ الراحل معمّر القذّافي…
كأنّني بالسيّد رضا لينين والزمرة المحيطة به قد اطّلعوا على نظريات السياسة كلّها ولم يجدوا لمآزق الإنسانية حلّا غير نظرية الكتاب الأخضر وقد مات واضعها وباتت ملكا مشاعا مثل أرض هي لمن يفلحها…