نور الدين الغيلوفي
يبدو لي أنّ التهارش سلوك عربيّ أصيل.. العرب لم يفلحوا في شيء، تاريخَهم، كما أفلحوا في التدابر وصناعة العراك و إنشاء الأيّام حتّى كانت أيّام العرب في الجاهليّة والإسلام لا تعني شيئا سوى زمن الاحتراب الذي توضع في وصفه القصص المشوّقة والقصائد المدبَّجة…
جاءهم الإسلام بمبادئ التوحيد فاستقبلوه ولم يتركوا عادة الهراش.. أمرهم بالحبل عاصما فقطعوه.. ومن سقيفة بني ساعدة أعادوا تأسيس أسباب احترابهم العتيقة حتّى انتهى بهم المطاف إلى أعلام متناسلين:
- في ليبيا حفتر ينسل من القذّافي..
- وفي سوريا بشّار الأسد يرث حافظ الأسد.. كأنّ الوالد لم يكن كافيا لزراعة الموت فخلَفه الابن…
- وفي زاوية من جزيرة العرب جاء بعد زائد ذراريه يبنون ناطحات لهم من جماجم يأتون بها من أطراف أرض العرب مشرقا ومغربا.. جنوبا وشمالا…
- ومن أرض الحرمين ظهر وليّ عهد يمارس ولعه بالنشر العابر للبحار في انتظار أن يصير العهد كلّه تحت أليتيه بعد هلاك أبيه…
- وفي مصر نبتت صحراء تعدم كلّ الحياة بفعل عسكر انقلب على كلّ الآمال.. وكان المآل هو السيسي.. والحصاد من جنس الزرع…
الشعوب من حولنا تفتنّ في تصريف فعل التقدّم وتغزل أيّامها من مستحيلات أحلامها.. ترغمها على الإمكان.. أمّا نحن، العرب البواقي، فمنشغلون بتنسيق معاجم لتدبير تهارش ذات بيننا.. وتعمير رؤوسنا بالنفي.. وبنفي النفي.. اختزلنا فصاحة اللسان العربيّ في التكفير والتخوين.. وفي كلّ ما لا يليق.. كأنّ الكفر عربيّ.. وكأنّ الخيانة عربيّة.. وكأنّ الفساد شجرة لا تخرج في أرض غير العرب…
سنظلّ نتدابر حتّى نكون أجدر الأمم بطوفان يجرفنا وأحقّها بريح صرصر تنسفنا…
لا تبقي منّا ولا تذر…