مأزق الحراك والرّئاسة في الجزائر

صالح التيزاوي

بعد أربعين أسبوعا من الحراك الشّعبي والسّلمي في الجزائر، كان مبتدؤه، رفض عهدة جديدة للرّئيس بوتفليفة، ليتطوّر بعد تنحيته إلى المطالبة برحيل جميع أركان نظامه. ولئن تبنّى الجيش مطالب الحراك في التّغيير وفي محاسبة رموز النّظام الفاسدين، فإنّه أصرّ على إجراء الإنتخابات الرّئاسيّة بشروط النّظام القديم وبنفس آلياته، فأفرزت عبد المجيد تبّون أحد المقرّبين من جبهة التّحربر رئيسا للبلاد. فإلى أيّ حدّ يمكن أن يمضي الرّئيس المنتخب في التّغيير والإصلاح؟ وإلى حدّ يمكن أن يمضي في محاسبة أركان النّظام القديم وهو أحد وجوهه القديمة الجديدة؟ وهل يقبل الحراك الذي قاطع الإنتخابات بنصف حل وبنصف ثورة؟

تقدٍم عبد المجيد تبّون للإنتخابات الرّئاسيّة وسط مطالبة الحراك برحيل جميع أركان النّظام كضمان أساسي لعدم الإنقلاب أو التّآمر عليه، مستخلصا الدروس ممّا حدث في بلدان الرّبيع العربي، حيث رحل بن علي ومبارك والقذافي وعلى عبد اللّه صالح ولكنّ الأنظمة بقيت، ثمّ عادت في أشكال أكثر قسوة ودمويّة. دخل عبد المجيد تبّون سباق الرّئاسة، مدفوعا من السّلطة نفسها ولم يكن له ما يؤهّله ليكون مقبولا من الحراك سوى ما أشاعته السلطة نفسها عن وجود خلافات بينه وبين سعيد بوتفليقة شقيق الرّئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. فالرّجل كان أحد أركان النّظام، حيث تقلد عدة مناصب ولائيّة ومناطقيّة ووزاريّة وكان آخرها منصب رئيس حكومة في عام 2017، خلفا لحكومة “عبد المالك سلّال”. فهل سيكون بإمكانه محاسبة رفاق الأمس القريب؟ وكيف سيتعامل مع الحراك الرّافض لنتائج الإنتخابات؟ وكيف سيمدّ يده للحراك كما جاء على لسانه عقب إعلان فوزه منذ الدّور الأوّل؟ هل سيقبل بأن يكون رئيس الحكومة القادم من الحراك أو قريبا منه، كمبادرة حسن نيّة نحو الحراك ونحو إصلاح جذريّ وعميق؟

لا يبدو أنّ الحراك الشْعبي قد قبل بنتائج الإنتخابات لأنّه يرى فيها مؤامرة على حراكه السّلمي لمصلحة النّطام القديم، على عكس ما يروّج أركان الإستبداد في الوطن العربي من أن ثورات الربيع العربي مؤامرة!! وقد وصلت بهم السّفالة والنذالة إلى حدّ وصفها بالربيع العبري. فالمؤامرة لا تكون على أنظمة استبداديّة من رهط بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح والقذافي وبشار الذين ولغوا في دماء شعوبهم، المؤامرة الحقيقيّة على الشعوب حتّى لا تبسط سلطانها على ثرواتها وحتى لا تملك قرارها. وهل من المعقول أن يتآمر الإستعمار على أنظمة ترعى مصالحه أكثر من رعايتها لمصالح شعوبها؟ وهل التْآمر يكون على أنظمة مستبدّة وفاشلة، لم تنتج سوى الكوارث والتّخلّف؟

لا يبدو أنّ الجزائر استثناء في التّآمر على حراكها حتى لا يمضي نحو أهدافه والتي من أبرزها تصفية آثار الإستبداد بالكامل والإستقلال التّام عن قوى الهيمنة، حتّى تستأنف الجزائر وشقيقاتها دورها الحضاري. لقد كشف الإنقلاب العسكري في مصر وأعمال الإبادة الجماعيّة في سوريا وإغراق اليمن وليبيا في أنهار من الدماء وتعثّر الثّورة والتّنمية في تونس عن مخطّط استعماريّ بتمويل عربان الخليج ومرتزقة محلّيين لكسر إرادة الشّعوب وقطع الطّريق عليها نحو الحرّيّة والتّحرّر.

نجح الماسكون بزمام الحكم وإدارة الأزمة في الجزائر (قيادة الجيش والدّولة العميقة) في ترتيب المشهد وإخراجه على النّحو الذي يرضيهم ولكنّهم لن ينجحوا في تلافي آثارها وارتداداتها، في ظلّ مايراه الحراك التفافا على مطالبه وإعادة إنتاج للنّظام القديم وإصراره على مواصلة حراكه السّلمي حتّى تحقيق جميع أهدافه.

Exit mobile version