الهولوكست المتخيّل
ليلى حاج عمر
ما يحدث في البرلمان سرديّة ماكرة تنسج بخبث متوارث لدى بقايا الحزب المنحلّ ومن لم يراجعوا أنفسهم منه ولم يقبلوا بالانتقال الديمقراطي حدّا أدنى للتعايش، ومعهم القوى التي يقضّ مضجعها النموذج التونسي. إنها السردية التي تلعب فيها بطلتها دور الضحية ويقوم أنصارها بصنع المحرقة المتخيّلة وترويجها في المخيال التونسي بكل صلافة الكاذب.
أحد الأنصار يروّج على صفحته لمجزرة ستنفذ في حقّ “مناضلي” الحزب الدستوري ولبؤته عبير ويدعو بوجه مستعار إلى إنقاذها من المحرقة الاخوانية التي تعدّ لها. هو المتخيّل المرجوّ لا فقط من أنصار عبير بل من الفاشيين المتغطّين بغطاء الديمقراطية الفضفاض هؤلاء الذين لو استطاعوا لجلسوا إلى جانب عبير في اعتصامها ولتغطّوا معها بغطاء الاعتصام الورديّ شماتة في خصم تاريخي لم يبرؤوا منه ولم يستطيعوا الانتصار عليه ديمقراطيا، وفي ثورة ورّطتهم في مآزق كثيرة. الروح الفاشية المتغلغلة تجعل الكثير يتمنّى حدوث فاجعة تجعل السرديّة أكثر تراجيدية وأكثر قدرة على التأثير وتغيير وجهة المسار برمّته. كيف نصنع الرعب من الديمقراطية وكيف نفتك بالمسار وكيف نربك العقول وكيف نقلب الحقائق وكيف نجعل الجميع يروون أكاذيبنا ويصدّقونها؟ هذا يحتاج حدثا كبيرا لا يقلّ عن العمليات الإرهابية والاغتيال لتأكيد صورة الوحش الديمقراطي الذي يفتك بالوطن.
في الحركة الصهيونية تمّ تحويل اليهودي التائه من حامل خطيئة إلى ثائر وطالب حق. وهنا وبنفس منطق “الاضطهاد” الذي يتصنّعه جماعة الحزب الدستوري الحر يتحوّلون من “أصحاب خطيئة” إلى مناضلين يستدرّون الشفقة بالوقوف عند حائط المبكى البرلماني.
المأساوي لدى الجماعة، أنّ سرديّة الاضطهاد الكاذب لم تثر ما يكفي من الشفقة حتى يتألّب الجميع ضدّ الديمقراطية، بل إنّ القرف حلّ محلّ الشفقة، والهولوكست المتخيّل صار كوميديا ساخرة يضحك فيها الجميع من البطلة.
لقد نجح المتخيّل هنا مرّات في توجيه الرّأي العام من خلال سرديّات الإرهاب والتسفير والاغتيالات المنسوجة، ولكن يبدو أنّ التجربة الديمقراطية كبرت إلى الحدّ الذي تحصّن فيه العقل نسبيا من الآلهة الخفية التي تريد لهذا الوطن قدرا أحمق الخطى.
ولن يكون.. رغم حمقه أحيانا أو كثيرا.