صالح التيزاوي
هل انسحب محمد عبّو وحركة الشّعب من مشاورات تشكيل الحكومة في الدّقيقة تسعين كما يقول البعض؟ أم تراهم نزلوا إلى الميدان وقد بيّتوا عدم المشاركة، ولكنّهما أظهرا خلاف ذلك، تفاديا للحرج أمام القواعد وأمام الشّعب؟!
لا يبدو أنّ قرار الإنسحاب يتعلّق بمنهجيّة التّفاوض، أو الإختلاف حول برنامج الحكومة، فهذا الكلام للإستهلاك الإعلامي، لا يمكن أن ينطلي على أحد مهما ساق الحزبان من تبريرات. كلّ الدّلائل والمؤشّرات تؤكّد أنّ الحزبين قد اتّخذا قرارهما بعدم المشاركة في أيّة حكومة مع حركة النّهضة حتّى وإن كان الحزبان شريكين فعليين فيها، حزب التيّار مسكون بنرجسيّة مؤسّسه وتعاظم “الأنا” بداخله، فهو لا يرى نفسه إلّا قائدا وقد سبق أن فعلها مع حزبه الأم “حزب المؤتمر”، لا يتحمّل عبّو في أيّ موقع أن يكون الرّجل الثّاني. أمّا حركة الشّعب فإنّها كغيرها من الحركات القومجيّة مسكونة إلى درجة الهوس بمعاداة الإسلام السّياسي، بسبب مغالطات ابتدعها الإستعمار لإيجاد شرخ بين العروبة والإسلام، وقد عمل حملة الأيديولوجيا القوميّة الشّوفينيّة على تعميق ذلك الشّرخ بإطلاق جملة من الأوهام المضلّلة لتبرير حكم الدبّابة في الوطن العربي، منذ عبد النّاصر وحتّى كبير الطّائفة العلويّة. ولا يبدو أنَ حركة الشْعب مستعدة لتجاوز خلافات ماضويّة وقيادة مصالحة تاريخيّة في تونس بين العروبيين والإسلاميين، لأنّ قرارا مثل هذا ليس بيدها وهو أكبر منها. ويبدو أنّ محاربة الإسلام السّياسي مقدّم عندها على محاربة الفساد.
من كان يصدر عن نيّة صادقة في المشاركة في الحكومة، لا يشترط وزارات بعينها في الإعلام قبل أن يجلس مع شركائه في الوطن للتّفاوض كما فعل حزب التيّار، ومن كان يريد حقّا المشاركة الفعليّة في الحكومة، لا يبتدع فكرة “حكومة الرّئيس” منقلبا على دستور الثّورة، كما فعلت حركة الشّعب. قرار الإنسحاب كان مبيّتا، ولم يكن ينتظر سوى الوقت الكافي لرفع الحرج أمام القواعد وأمام الشّعب. لا يبدو من خلال تهافت قيادات الحزبين على الإعلام أنّهما معنيان بمحاربة الفساد ولا بتأمين سلامة الإنتقال الديمقراطي ولا بالمسؤوليّة الإجتماعيّة للدّولة
من خلال برنامج الحكومة، بقدر اهتمامهما بإفشال الخصم المكلّف دستوريّا بتشكيل الحكومة.. على طريقة الجبهة الشّعبيّة “قاتلك… قاتلك”.