مراجعة الرواية المزيفة
نور الدين العلوي
عظمة حشاد في الخطاب هي من جنس عظمة بورقيبة. فيها اصطناع كبير واستهانة بعقولنا لقد صنع بورقيبة بطولته وزعامته بعد انتهاء المعركة وتملكه لجهاز الدعاية الرسمي وصنع فريقا متخصصا من المؤرخين لبناء رواية واحدة تغفل ذكر كل من شارك وناضل وجاهد بالسلاح والكلمة. وكان هناك كثيرون يرفضون ذلك فاختلقوا بدورهم بطلا مضادا لبورقيبة وقادوا عملية صناعته بنفس الأسلوب. كان تضخيم حشاد يتم لتصغير بورقيبة (ثقب بالون). لذلك أغفل كل من شارك حشاد في النقابي والسياسي كما أغفلت حلقات من سيرته ليست محل إجماع (علاقته بالأمريكان).
الروايتان انتقائيتان هدفهما صناعة بطل لا يمتلك كل عناصر البطولة وهما روايتان في صراع غير أن رواية بورقيبة تعرضت لانقلاب فتم تصغير الزعيم ومسح ذكره من الذاكرة (لم تفلح إعادة تماثيله إلى الشوارع في استعادة مكانته وتعتبر عبير موسي هي أكبر الأدلة على إمّحائه من الذاكرة الجماعية). لكن رواية حشاد مازلت بفضل تحويله إلى زعيم يساري أسس نقابة يسارية مملوكة حصار لليسار (يوجد تنازع حول يساريته بين يسار وبيروقراطية) صراع ينتهي دوما إلى اتفاق حول زعامته ومرجعيته الموضوعة فوق النقد والمراجعة.
(داخل رواية الزعيم الأوحد توجد رواية جهوية هي حشاد القرقني مورث النقابة للقراقنة وحدهم) الزعيم الأصل التجاري يرد عليها في قفصة فقط بأحمد التليلي وحق القفاصة الأبدي في النقابة. وهما روايتان من جنس رواية المساترية عن (البلاد بلادنا والرئيس رئيسنا). لقد سمحت الثورة بنقد رواية بورقيبة والخروج منها بأخف الأضرار ولكن رواية حشاد لا تزال محمية نقابية لا يجوز الاقتراب منها.
نرى أن الذين يحتمون بحشاد (البطل الأوحد شبه الإله) رؤوا مصير من احتمي ببورقيبة وسقط بسقوطه ولذلك لن يسمحوا بالتشكيك في رواية حشاد لأن إسقاطها يسقطهم. نتوقع المزيد من صناعة ربوبية حشاد. الحصن الأخير. للتاريخ المزيف.