تونس: هل تتشكل حكومة المهندس الحبيب الجملي وكيف تنجح ؟

عبد الحميد الجلاصي

مقدمة

الحبيب الجملي

بعد فترة من المشاورات الداخلية والتحسُّس للساحة الوطنية، اختارت حركة النهضة ترشيح رئيسها الأستاذ راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان التي فاز بها. وهذا حدث شديد الأهمية من النواحي الرمزية والسياسية، وستكون له تداعياته على الداخل النهضوي والداخل الوطني، كما يمكن أن تكون له تأثيراتٌ في المحيط الإقليمي.

وبعدها قدَّمت الحركة شخصية المهندس الحبيب الجملي، وزير الزراعة السابق في عامي 2012و2013، ليتم تكليفه يوم 15نوفمبر بإجراء المشاورات لتشكيل الحكومة.

يجوز لنا أن نشبه امتحان تشكيل الحكومة بسباق الحواجز. فهناك معطى الزمن بالطبع، كما في كل سباق. وأمام المرشح مهلة مدتها شهر قابلة للتجديد مرة واحدة. ومع ضغط الوقت هناك استحقاقات النجاح، فدرجته الدنيا تتمثَّل في ضمان الأغلبية للمرور أمام امتحان التزكية في البرلمان، ودرجته الثانية تعني ضمان استقرار الحكومة، ودرجته الثالثة هي إنجاز حدٍّ معقول من تطلعات الناخبين ووعود الأحزاب؛ فهل ينجح المهندس في سباق الحواجز هذا؟

الصورة الحالية

بعد أسبوعين من انطلاق المشاورات، تتجه الصورة نحو شيء من الوضوح دون أن تخلو من المناطق الرمادية.

معسكر المشاركة

من البديهي أن تكون حركة النهضة ضمن التشكيلة الحكومية المقبلة، فهي التي رشَّحت شخصية رئيس الحكومة للسيد رئيس الجمهورية، كما يرجَّح أن يكون ائتلاف الكرامة ضمن التركيبة، ومن الملفت للانتباه أن هذا الائتلاف الجديد يبدو في أحايين كثيرة أشدَّ حماسةً للدفاع عن حقِّ النهضة في قيادة الحكومة من النهضة نفسها؛ ربما لأن الائتلاف هو قوة سياسية حريصة على أن تستثمر في المبادئ والقيم، أما النهضة فقد أرهقها خوض المعارك ومراعاة الحسابات وموازين القوى السياسية مع ما فيها من مقولات الانحناء للعاصفة والتنازل والصبر حتى عمَّا قد يبدو مخالفًا للبديهيات. بل إن ائتلاف الكرامة يمكن أن يمضي بالمبدئية إلى أقصاها بقبول دعم الحكومة دون المشاركة فيها لسحب البساط من الأطراف التي تتهرب من الالتقاء معه في الحكومة نفسها.

أما موقف التيار الديمقراطي فيميل نحو المشاركة، ويقترب من مساحة إدارة التفاوض على ضوء هذا الخيار، وربما يكون قد أدرك أنه فرَّط في موقع رئاسة البرلمان بسبب سوء تقدير اللحظة التي تستوجب الكفَّ عن رفع سقف التفاوض من أجل قطف الثمرة، وربما تكون قيادة الحزب منتبهةً إلى أن دفع الأمور إلى مزيدٍ من التأزيم يفاقم من توغل النهضة يمينًا، ويدفع البلاد إلى مزيدٍ من الغموض عكس رسالة الناخبين.

أما كتلة الإصلاح الوطني المشكّلة من سياسيين شبان قدموا من أحزاب تعثرت في الانتخابات الأخيرة فهي أقرب للمشاركة التي قد تساهم في صهرها باتجاه بناء حزب جديد

المنطقة الرمادية

في المقابل، تواصل حركة الشعب سياسة الاستنزاف وربح الوقت، فتصدر مواقف هي اشتراطات تعسر الاستجابة لها. فهي ترفض المشاركة، وتسعى إلى إفشال هذا الشوط الأول دون دفع ثمنٍ سياسيٍّ مقابل ذلك. وهنا يبدو الالتقاء بين حركة الشعب والتيار الديمقراطي على تشكيل كتلة برلمانية موحَّدة – هي الكتلة الديمقراطية – خطوةً ملتبسة، رهانها الظاهر إمكانية الفوز بلجنة المالية، ولكنها قد تفوت على التيار المشاركة في الحكومة. تكتيكيًّا، قد تصبح هذه الكتلة هي الثانية في البرلمان، إلا أن التيار الديمقراطي قد يخسر بسببها صورته كقوة راديكالية، ولكن على أرضية سياسية عقلانية عكس حركة الشعب التي لم تتحرر بعدُ من الأيديولوجيا وأغلال الماضي. وفي السياسة، الصورة والتموقع أكثر أهميةً من المواقف التكتيكية.

فحركة تحيا تونس تبدو غير مستقرة، فهي في منطقة تنازع بين رغبة عددٍ من القيادات في المشاركة في الحكومة، مقابل رفض آخرين المشاركة فيها، مقدمين التفرغ لإعادة بناء الحزب، أو متعلِّلين باختلاف المرجعيات مع حركة النهضة، آملين استرجاع الصوت الناخب المناهض للنهضة. وغير المصرَّح به في الالتقاء الموضوعي بين حركة الشعب وجزء من قيادات حركة تحيا تونس هو تجاوز المرحلة الأولى، حيث تكون مبادرة اقتراح رئاسة الحكومة بيد حركة النهضة للمرور إلى المرحلة الثانية، حيث تُحال المبادرة إلى رئيس الجمهورية لاختيار الشخصية الأقدر. وبهذا تتخلَّص حركة الشعب من حكومة تترأسها النهضة، وربما يحوز السيد يوسف الشاهد رئيس حركة تحيا تونس موقعًا قياديًّا في هذه الفرضية الثانية.

معضلة قلب تونس

ساهمت العديد من العوامل في توفير المناخ المناسب لتشكيل حزب قلب تونس، منها الأزمة المتطاولة لحزب نداء تونس، وتقصير منظومة الحكم في الاهتمام بفئاتٍ اجتماعية هشَّة، ورخاوة أجهزة الدولة في مواجهة التلاعب بين الخيري والسياسي. ولما انتبهت أجهزة الدولة وأرادت التصدي لهذا التلاعب بالقانون مع دخول الزمن الانتخابي، بدا الأمر لدى الرأي العام مجرَّد عملية توظيفٍ للأداة القانونية لعرقلة خصم سياسيٍّ، فاستفاد قلب تونس من الهجمات ضده وفاز بالمرتبة الثانية، ولولا استعمال آلية التخويف والتصويت الناجع لنافس بجديَّة على المرتبة الأولى رغم وصمه -في أثناء الحملة التشريعية- بكل ما يرمز إلى التحايل والفساد والعلاقات المشبوهة.

يُعَدُّ الموقف من قلب تونس إحدى معضلات تشكيل المشهد الجديد وصعوبة تشكيل حكومة مستقرة من دونه. والقضية تُطرح أكثر على حركة النهضة التي تعهدت في أثناء حملتها الانتخابية بأغلظ اللاءات بعدم التحالف مع هذا الحزب، كما تطرح على السيد رئيس الحكومة المكلَّف.

خلاصة المشهد

ترجِّح الصورة الحاصلة إلى الآن إمكانَ تشكيل الحكومة وحصولها على التأييد من البرلمان بأغلبية غير واضحة، ولكنها تتجاوز المائة والعشرين صوتًا في كل الأحوال (النصاب الأدنى المطلوب مائة و تسعا من المقاعد) .فالمزاج السياسي يتغيَّر من التساؤل حول كفاءة المرشح ومدى استقلاليته عن حركة النهضة إلى إلحاحية تشكيل الحكومة ، وتوفير المناخ المناسب للعمل، وتجاوز كل المعوقات. ويترافق ذلك مع الشكِّ في نجاح حكومة الشخصية الأقدر، أو ما يسميه البعض حكومة الرئيس ،إن فشلت هذه المحاولة، ومع عدم استعداد أيِّ جهةٍ لتحمُّل التكلفة السياسية لدفع البلاد في مسار انتخاباتٍ سابقة لأوانها، ومع عدم اقتناع أيِّ طرفٍ بحظوظه في المشهد الجديد، ولا بإمكانية حصول تغييراتٍ جوهرية على المشهد الحالي. كما أن قيادة “المنظمة الشغيلة” قد عبَّرت مرارًا عن تبرمها من استمرار المناكفات الحزبية، ودعت الجميع إلى التعاون والمسارعة بتشكيل الحكومة والانطلاق في العمل، والحكم بعد ذلك على النتائج.

أما خارجيًّا، فإن عددًا من الشركاء السياسيين والماليين المؤثرين يبدون أكثر ميلًا لتشجيع نجاح هذه الفرصة. ولعلهم يراهنون أن يكون رئيس الحكومة المكلَّف وحكومته المنتظرة صوتَ الوسط العقلاني الذي يزيل المخاوف من رئيس جمهورية يبدو لهم غامضًا، ورئيس برلمان لم تهضم صورته نهائيًّا، رغم كل جهود الطمأنة التي قامت بها حركة النهضة لتطبيع علاقاتها مع المحيطين الإقليمي والدولي.

بداية من اليوم، ستتجاوز المفاوضات محطَّة البرنامج وتحديد أطراف الائتلاف الحاكم إلى اختيار عناصر التشكيلة الحكومية، وهي عملية معقَّدة وصعبة ومركَّبة في عملية تفاوضية داخل الأحزاب، وبين الأحزاب وبعضها البعض، وبينها وبين رئيس الحكومة.

لكن يبدو أن رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية، والمنظمات الكبرى، والمتعاونين الدوليين، وأخيرًا الأحزاب والرأي العام؛ جميعهم حريصون على التسريع في تشكيل الحكومة في الشهر الأول من التكليف، وهو هدف لم يعد مستحيلًا.

شروط نجاح حكومة المهندس الجملي

في حال ترجيح فرضية نجاح السيد الجملي في الحصول على تزكية البرلمان، ستكون هذه الحكومة هي الحكومة الثالثة عشرة منذ الثورة، وهذا الرقم يمكن أن يُقرأ علامةً على الحيوية والحراك كما يمكن أن يُقرأ علامةً على عدم الاستقرار. وكلتا الفرضيتين ملازمةٌ لأوضاع الانتقال ما بعد الثورات. وقد راكم التونسيون خلال هذه السنوات مجموعةً من الدروس يمكن الاستفادة منها لضمان نجاح الحكومة فيما هو مطلوب منها من تغيير وإنجاز سريعَيْن.

أولًا: حكومة شراكة سياسية وتواصل وإنجاز

فالحكومة قاطرة البلاد في النظام السياسي، ولا يمكن أن تكون كذلك في الواقع إلا بأن تكون مستقرةً، تشتغل بتكاملٍ وتضامنٍ وبعقلية الفريق تحت قيادة واضحة ومسلَّم لها. فقد بيَّنت التجربة أن حكومةً غير مستقرة، تسير بين الألغام، وتغرق في معارك المحافظة على الوجود، وتلجأ في سبيل ذلك لكل أصناف التكتيكات والتحالفات المتقلبة؛ لا يمكنها أن تنجز شيئًا ذَا بال؛ لأنها في هذه الحالة تكون حكومة نفسها، أو حكومة الحد الأدنى، وليست حكومة المواطنين. ولقد أضاعت البلاد خمس سنواتٍ ثمينة تحمَّلت فيها عبث منظومة حزبية نقلت معاركها وتوازناتها إلى فضاء الحكم، ولا نظن أنه بالإمكان تحمُّل تكلفة تكرار تلك التجربة المريرة.

ولضمان هذا الاستقرار، يجب أن تكون الحكومة الجديدة حكومةً سياسية، وذات برنامجٍ واضح، ومبنيَّة على تعاقداتٍ واضحة في منهجية العمل، وفي اتخاذ القرار، وفي آليات التواصل وقياس الأداء. ففي الأوضاع الصعبة التي تمرُّ بها البلاد لا معنى لحكومة تحصل على التزكية باستجداء الأصوات دون التزام سياسيٍّ بالمشاركة والإسناد. كما أنه لا معنى لحكومة دون برنامج تفصيليٍّ يتجاوز العموميات ويفصل في الإجراءات والآليات والمواعيد، وينطلق بمجموعة إجراءاتٍ سريعة تُحدث الرّجّة الإيجابية، وتستعيد ثقة المواطنين، وتطمئنهم على صحَّة خيارهم في المراهنة على صندوق الاقتراع لإحداث التغيير. وقد يكون من المفيد تخصيص الأشهر التسعة الأولى للإجراءات المستعجلة، وإيقاف التدهور، واستعادة الثقة، وطمأنة الرأي العام بتلقي رسائل الانتخابات قبل التفرغ لبرنامج ٍإصلاحيٍّ واسع.

هذا البرنامج يجب أن ينطلق من خيطٍ ناظم، وهو تلبية استحقاق الكرامة في مختلف تجلياته، وأهمها: توفير التشغيل، وتحريك الاقتصاد، وتحسين المقدرة الشرائية، ومحاربة الفساد؛ وهي الكليات التي تكون مناط تكليف كل الوزارات، كلّ في مجاله.

أما عن التعاقدات، فقد بيَّنت التجربة أن أفضلها هي المبنيَّة على الوضوح في المضامين والآليات والعلاقات، ولسنا بحاجة ٍإلى كبير توقف عند نتائج الانتخابات الأخيرة لنتأكَّد أن الناخبين باتوا يمقتون سياسة التذاكي والتحايل، وأنهم يتطلعون إلى ثقافةٍ سياسية جديدة قوامها الوضوح والشفافية. ويمكن للحكومة الثالثة عشرة أن تبني على تجارب سابقة في بناء حزام سياسيٍّ حول مؤسسات الحكم.

ففي أثناء حكم الترويكا (2012-2013)، تمَّ اعتماد مستويين للتنسيق من خلال هيئة قيادية موسعة بين حركة النهضة وحزبي المؤتمر والتكتل من أجل العمل والحريات، ومن خلال اجتماع مضيق يجمع الرؤساء الثلاثة برؤساء الكتل والمسؤولين الأوائل في الأحزاب. أما في حكومة السيد الحبيب الصيد، فتمَّ تشكيل “هيئة التنسيق والتشاور” بين الأحزاب الأربعة المكوِّنة للحكومة لتنظيم الحوار الحزبي وتنسيق الأعمال مع رئيس الحكومة. كانت الفكرة جيدة، وكان بالإمكان أن توفِّر بوصلةً للحكومة والبرلمان لولا إعاقتها بسبب الأوضاع الداخلية للأحزاب.

لا يمكن أن تشتغل في وضع استثنائيٍّ بالطرق التقليدية. فإن الوضع الاستثنائي يتطلَّب منهجية استثنائية، وأهم ركائزها ربح الوقت وتسريع الإجراءات. لقد كان تعقيد الإجراءات الإدارية من أهم العوائق أمام دفع حركة الاقتصاد خلال السنوات الماضية. وستكون هذه الحكومة أمام خيارين: إمَّا دفع كتلتها السياسية في البرلمان للتسريع في مراجعة كل الإجراءات المعيقة وتكثيفها وتوحيدها، وإمَّا طلب الاشتغال بالمراسيم مع محافظة البرلمان وكل الهيئات الرقابية بحقِّها في المتابعة البعديَّة.

ثانيًا: رئيس حكومة قائد

فرئيس الحكومة يجب أن يكون قائدَ فريق، يحدِّد الوجهة، ويضبط الخطَّ العام، ويتولَّى التواصل الناجع والمستمر مع الرأي العام ومع مختلف الفاعلين، دون أن تستغرقه التفاصيل.

ولا يتسنَّى ذلك دون تقوية فريق القصبة، وضبط العلاقة مع حركة النهضة، الحزب الذي تولَّى اقتراحه، ومع الأحزاب المشاركة في الائتلاف، إضافة إلى تعهد العلاقة مع أهم الفاعلين الاجتماعيين وصولًا إلى تعاقدٍ مُمْضى. كما بيَّنت التجربة أن للسلطة منطقها الخاص، وأنه لا يمكن الحكم من وراء ستار أو الاستيلاء على الصلاحيات وانتهاك الحدود التي ضبطها الدستور. ولعل أكبر أخطاء المرحوم الباجي قائد السبسي هو محاولته التحكُّم في رئاسة الحكومة، ومحاولة استعادة نظام الحكم المركزي. لقد فشلت محاولة الانقلاب تلك. فخسر الباجي، وخسرت الطبقة السياسية، وخسرت البلاد أكثر. إن الاستقلالية ليست فقط علاقة حيادٍ مع الأحزاب السياسية، بل إنها أيضًا سمة شخصية، كما هي احترام للمقامات والالتزام بما تستوجبه عقلية الدولة ومعنى خدمة المواطنين – كل المواطنين – مهما كانت أعمارهم وجهاتهم وأفكارهم وأصولهم الاجتماعية، رجالًا كانوا أو نساءً.

يجب أن ينظر المهندس الجملي الى استقلاليته باعتبارها عنصر قوّة لا عامل ضعف

ربما كانت أهم نقيصة في حكومات ما بعد الثورة أنها كانت حكومات صامتة. ويمكن أحيانًا تفهم تواضع إنجازها، ولكن لا يمكن تفهم تقصيرها في التسويق لمنجزها. والحكم إنجاز وطريقة في الإنجاز وتواصل. وتتعاظم الحاجة للتواصل في أوضاع الضبابية والأزمات، حينها يكون القرب أوكدَ واجبات القيادة للتعبئة والتطمين والاستماع. وسيُجبر السيد الجملي على خوض هذا المعترك مع رئاستين تتمتعان بقدراتٍ كبيرة للتعبئة.

ثالثًا: منظومة حكمٍ سلسة ومتكاملة

غير أن البحث في الصيغ المُثلى للعمل لا يجب أن يقتصر على أحزاب الحكومة وكتلها ليتجاوزها إلى ترتيب العلاقة بين الرؤوس الثلاثة للدولة، أي رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة، لضمان التكامل والسلاسة. وقد بيَّنت التجربة السياسية أن البصمة الإنسانية تيسِّر العلاقات بين أصحاب السلطة، فالسياسة ليست فقط صلاحيات، بل إنها أيضًا فن إدارة العلاقات، وكثير من معضلات التنازع تجد جذرها في الأمور النفسية وفي العلاقات الشخصية قبل القانونية والدستورية، وما كان للتكامل الأوروبي أن يتقدَّم دون علاقاتٍ إنسانية متينة بين مسؤولي المحرك الفرنسي الألماني.

رابعًا: الحكومة في محيطها

الحكومة تأخذ شرعيتها من البرلمان، ولكنها أيضًا تأخذ مشروعيتها من الشارع بقواه الإنتاجية والمدنية والحقوقية. فالحكومة ليست معبِّرةً عن كتلة ناخبيها فقط، بل إنها حكمٌ في إدارة المطامح والتطلعات المتباينة، ولا يمكن أن تدير هذه التباينات في الوضع الديمقراطي دون تحاور وتشاركية.

إن الإدماج الواسع والتوريط في إدارة الشأن العام هما وصفة القيادة في مراحل الانتقال، وتونس تُعطى بالانتخابات الأخيرة فرصة أخرى لتحقيق انتقالها الاقتصادي وتغيير البنية العميقة للدولة. وهو ما يتطلَّب عقلية سياسية جديدة لمن يعتبرون أنفسهم فائزين في الانتخابات، وكذلك إعادة صياغة وظيفة المعارضة داخل المؤسسات وخارجها، وإعادة صياغة دور المنظمات التمثيلية والتعديلية.

منتدى الشرق

•••

عبدالحميد جلاصي، سياسي وباحث تونسي من مواليد سنة 1960. وهو قيادي في حركة النهضة حيث تحمل مسؤوليات في بناء التنظيمات وإدارة التفاوض وقيادة الحملات الانتخابية وإدارة التخطيط الاستراتيجي. كما له اهتمامات بحثية حول مسارات الانتقال الديموقراطي والاستراتيجيات الانتخابية وتحولات حركات الإسلام السياسي وقضايا العدالة الانتقالية.

ويعمل على مشروع بحثي لبناء ذاكرة مقاومة الاستبداد في تونس ضمن سلسلة أطلق عليها عنوان “حصاد الغياب”، أصدر منها: (اليد الصغيرة لا تكذب 2016، الشهداء يكتبون الدستور 2016، السرقة اللذيذة 2017). كما أصدر سنة 2018 كتاب “دولة الخوف“ ضمن سلسلة دفاتر ما قبل الثورة. كما يعمل على مشروع بحثي يعنى بالمراجعات الفكرية والسياسية والتنظيمية.

Exit mobile version