زبير المولهي
لا حياة لمن نُنادي… لا حياة لمن تنادي يا شعب…
في ظاهرة غير مسبوقة وفي ظرف وجيز، كثرت الرسائل المفتوحة الموجّهة إلى الأستاذ قيس سعيّد، رئيس الشعب الذي انتخبه الشعب بنسبة 74% من أجل أن يحكم مع الشعب وباسم الشعب وللشعب وبالشعب مكرّسًا إرادة الشعب ومتّخذًا هذا الشعار دأبه وديدنه وبوصلته ودستوره…
مجموعة من الرسائل الأولى وقد لا تكون الأخيرة، بدأتها أنا شخصيّا برسالة مفتوحة يوم 21 نوفمبر 2019، ثم تتالت رسائل أخرى تتراوح بين الطول والقصر، وبين التخصيص والتعميم، وبين التبعيض والشمول، وبين النصح والإشارة، وبين التنبيه والتحذير…
فكانت موزّعة زمنيّا على النحو التالي :
- زبير المولهي (يوم 21 نوفمبر 2019)
- فائزة الناصر (يوم 28 نوفمبر 2019)
- عمارة جرجيس (يوم 29 نوفمبر 2019)
- عماد الدايمي (يوم 30 نوفمبر 2019)
- … والبقية ستأتي حتما…
فلماذا هذه الرسائل المفتوحة وكيف نقرأ الظاهرة ؟
لا شكّ أن أغلبيّة الشعب التونسي بكل أطيافه ومستوياته وأعماره ومشاربه (إلاّ الفاسدين منهم طبعا) قد استبشر خيرا من انتخاب الأستاذ قيس سعيّد على رأس الدولة. فشعر بأمل كبير يدبّ فيه، أمل بالتغيير الحقيقي، أمل في أنّه أصبح له، بعد 60 عاما ممّا سمّي استقلالا، رئيس من الشعب، يتحدّث عن الشعب، يريد إرادة الشعب، رئيس منهم، رئيس معهم، رئيس وصل إلى الحكم بهم لا بلوبيات ولا بأموال فاسدة ولا بأحزاب عقيمة ولا بسفارات أجنبيّة… رئيس يؤمن بهم ويستمع إليهم وإلى ما يريدون، رئيس جعل إرادتهم شعاره القوي… أو هكذا خيّل إليهم…
هذا الشعور، وهذا الأمل، وهذا التصديق المسبق بصدق الرئيس ونزاهة الرئيس وعزم الرئيس على تحويل شعار الشعب يريد إلى واقع ملموس يرون من خلاله رئيسهم يستمع إليهم ويأخذ بآرائهم ويعمل بنصائحهم ويتواصل معهم عبر الوسائل السمعية البصرية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، الشبكات التي أوصلته إلى قصر قرطاج… قلت كل هذا جعل من بعضهم يتوجّهون إليه، مضطرّين، عبر الرسائل المفتوحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام البديل، ذلك أنّهم :
أ. وجدوا غيابا تامّا غير مفهوم لرئيس الأمل ورئيس الشعب ورئيس الشعب يريد… لا يكلّمهم ولا يستمع إليهم ولا يتوجّه لهم لا برسالة ولا بخطاب متلفز ولا بفيديو مباشر ولا حتّى مسجّل على الفايسبوك…
ب. وجدوا إمّا انعزالا لهم أو عزلا لرئيسهم…
- فالاحتمال الأوّل: أن الشعب أو طلائعه أو نخبته أو على الأقل من كانوا يستطيعون إيصال رأيهم قبل الانتخابات إلى المرشّح قيس سعيّد، أصبحوا منعزلين أو معزولين عن الرئيس قيس سعيّد وعن إمكانيّة الاتّصال به أو حتّى بدوائره المقرّبة (والتي لم تكن هي المحيطة به في حملته، فهل هكذا يُتعامل مع مسانديه الأوائل ؟!) مع العلم أن هذه الدوائر قد أغلقت أو غيّرت هواتفها أو تصلها الرسائل فلا تقرأها أو لا تردّ عليها…
- الاحتمال الثاني: أنّ الرئيس نفسه هو من أصبح معزولا عن الشعب الذي أوصله لكرسي الحكم، بإحدى فرضيّتين، إمّا بإرادته ومحض اختياره معتبرا أنّ الانتخابات انتهت والشعب كوسيلة نفدت صلوحيّته فالمكان الآن للمستشارين والمتخصّصين و”المحنّكين” وخاصّة الخاصّة… أو، حسب الفرضيّة الثانية، أن يكون الرئيس وقع عزله عن شعبه عمدًا وبالقوّة والتهديد والترهيب، رغم أنّي أستبعد هذه الفرضيّة…
ج. بدأوا يشكّون في وجود شيء ما غير عاديّ وغريب وغير مفهوم في سلوك الرئيس التواصلي تجاه الشعب بعد أن جعله محور حملته الانتخابية، فاختاروا أن يراسلوه عبر هذه الوسيلة لأنّهم مازالوا مقتنعين بصدق الرئيس وقدرة الرئيس وبإمكانية نجدته وإنقاذ الأمل فيه من التلاشي…
أرجو أن يغتنم الرئيس الفرصة فيمسك بقارب النجاة في علاقته مع الشعب… لأن هذه العلاقة لا يمكن رتقها حين تصبح فتقا !!!
ولله الأمر من قبل ومن بعد…