نصر الدين السويلمي
مشكلة عويصة تعانيها القيادات النقابية، مشكلة تجعل من الصعب تبويبها بشكل واضح لا لبس فيه، هل هي الخيانة أم الغباء أم الرغبة المتوحشة في التدمير، أم تراها عملية تعويض نفسية ممسوخة، نتيجة التحالف الإجرامي بين الفاجعة الجرادية والكارثة البنعلية طوال سنوات الجمر، هذا اذا حذفنا الزائدة الجرادية رذيلة الاتحاد الخالدة، وإذا تسامحنا مع سياسة الأرض المحروقة التي واجهت بها مكينة جراد الدولة الديسمبرية بعد أن نامت في حجر الدولة النوفمبرية نوم الذل والمهانة.
مع كل تصريح لقيادة نقابية، نتطلع إلى خطاب يبشر بزرع الأشجار المثمرة والزهور وبعث أيام دراسية تحفز على التطوع، أو السفر لجلب استثمارات وفتح علاقات والتسويق لتجربة تونس الرائدة وبناء صداقات هادئة وتقديم رسائل ايجابية للاستثمار العربي والدولي، نتطلع إلى خطاب يضع حجر الاساس لدورات مركزة تحشد إليها المنظمة اعلاميا من اجل التوعية بفضيلة العمل وطرح المشاريع الرائدة التي تقطع مع رزق البيليك، وتحسس المواطن، العامل، الموظف، الفلاح بخطورة التواكل وحتمية انهيار المرفق العام إذا استمرت سياسة “صحح وروح.. برا اشرب قهوة في الخدمة وروح.. صحح وهز لمرا للعرس.. صحح وبرا فتش على البناي يكمل الليقة وبعد تعدى جيب الطفلة من الروضة..” نتطلع الى معالجة شجاعة للعصابات النقابية الخانسة داخل المؤسسات تبتز وتعرقل وتفرض الإضرابات بقوة الصعلكة الفجة.. نتطلع الى كل ذلك.. لكن ذلك لم يحدث عبر جميع اطلالات الطائفة النقابية والأرجح أنه لن يحدث.
يخرجون فقط لتبشير تونس بنجاح الإضرابات برا وبحرا وجوا، يفرحون ويوزعون المبروك لان المستشفيات اغلقت أبوابها بنسبة 90% أما الحطام البشري القادم من العمق يبحث عن جرعة تؤخر الموت الزؤام، يشربون حد الثمالة ابتهاجا بقطاع النقل الذي أصابته كتائبهم بحالة شلل تام، يبتهجون بمنظر الحوامل وهن يهرولن للفوز العبثي بمقعد مزدحم في سيارة اجرة مكتظة، تغمرهم الفرحة حين يفترش مواطنونا بالخارج بلاط المطارات والموانئ ليوم فيومين فأكثر… هم لا يخرجون علينا لتقديم البشرى وزرع الأمل واقتراح الحلول، هم يخرجون علينا فقط لتهديدنا بالشهيلي والزوابع والزلازل والزمن والآفات، هم يخرجون لسحب الخرقة الباقية التي تستر عورة الوطن، تماما كما خرج اليوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2019 نور الدين الطبوبي، ليقول “عنّا ملفات وباش نعريهم الكل” خرج كبير البطحاء ليزمجر ويتوعد، قال نور الدين “هؤلاء الذين لا يفقهون في السياسة صمتوا عن ضرب مكتسبات الدولة الوطنية… مكتسبات الدولة التونسية في قطاع الشباب والمرأة والطفولة ضربت… هذه القطاعات أصبح حالها يبكي والاتحاد سيبقى الصخرة التي تنكسر عندها خياراتهم الليبرالية المتوحشة وسنظل صامدين ولن نسكت عن ضرب مقومات الدولة الوطنية وعن المساس بخيارات الشعب اقتصاديا واجتماعيا ووطنيا”.
بلا بلا بلا .. لا شيء غير البلبلة والبلا بلا.. الذي عادة ما يتبعه البلاء.. شيء من التهديد على شيء من الصخرة والانكسار، على شيء من اللكنة القديمة الهجينة المحنطة، على بعض العبارات المخشّبة المنتشلة من قاع الستينات، على بعض النرجسية على بعض الهستيريا والارتباك من جراء مناوشات عمادية دايمية غير مسنودة.. من غير ذلك لا شيء يفيد الوطن! وكل شيء يضر الوطن، من غير ذلك هو الخشب الجرادي يكرر اسطوانته المشروخة، يعزف لحن الخراب ويمعن في إجلاء التنمية عن بلاد اجتمعت عليها مصيبة التشبيح ومصيبة التوطد..
هم يؤخرون الحل ويطيلون عمر الأزمة، يدركون جيدا ان لا حل لاصلاح قلعة حشاد غير الاعتراف بجرائم 23 سنة والاعتذار للشغيلة قبل الشعب عن جناية تكريم الكائن الجرادي الخائن الجرادي في مدينة الثورة ويوم عيد الثورة!!!، ثم والأهم ليس من سبيل الى عودة الروح الحشادية العاشورية الى صرح العمال، غير إخراج الكتائب الوطدية وميليشيات التشبيح من البطحاء ونزع سلاحها واعادة إدماجها تدريجيا ضمن خطة وطنية لتأهيل أصحاب الإعاقات الإيديولوجية المستديمة.