من الظل إلى أمير الظل
شوقي الشايب
ابتلاني الله سبحانه بأن نزلت بعض الكتب في هاتفي علي اقرأها في سفرة من متاعب الأسفار كنوع من الترفيه والتسلية، وكان أمامي كتاب ترددت بل كرهت قرائته لغرض لم اعلمه ولكن الله وحده يعلم سببه. أنا في العادة رجل يكره الحديث عن نفسه، ولا يطيق شكر الناس، بل واكره الجدية في الحديث التي تنصبني عند عامة الناس كمثقف أو غيرها من الصفات المحمودة التي استكثرها على نفسي، بل واكره أن أكون واضحا جليا فيما يخص حياتي وتفاصيل عيشي حتى مع اقرب الناس لي، واظن ان طريقة عيشي مغرية لمن هم في سني فاكره ان اتفاخر بها او ان ابدو كمرتاح أمام الاشقياء من أصحابي. أقول لك ذلك لأن حديثك عن شخصك دعاني للحديث عن شخصي…
المهم يا صديقي إني أكتب لك وأنا أعلم علم اليقين استحالة وصول كتابي هذا لك ولكني أردت أن أستحضرك ها هنا لغرض لا أعلمه كذلك.
أولا يا حبيبي قرأت كتابك “أمير الظل” عندما انقطع اتصالي بالانترنت وأنا في الحافلة وما زال أمامي ست ساعات للوصول، قراته ويا ليتني لم اقراه فقد دمرت حياتي وملأت ايامي تعاسة وقهرا وبؤسا، لقد تلاعبت بروحي بين اصابعك وانتزعت مني لذة العيش (الذي كنت فيه) واستبدلته بحطام لا أعلم مصيره ولا أدري أي مستقر له بعد ذلك، قرأت كتابك في ثلاث ساعات أو أقل، ثم أعدت قرائته في ساعتين أو أقل، ذرفت فيهم دموعا (وأنا رجل أسيف) كان من جاورني الرحلة يظن أن بي كربا، ولكنه لا يعلم عظيم كربي بعد أن قرأت كتابك اللعين.
ألعن كل يوم مئة مرة حياتي وماضيا ومستقبلي الذين أردت لهم طريقا غير الطريق الذي سلكت أنا، وتمنيت لهم طريقك ولكني لا اقدر عليه.
قرأت كل كتبك وشاهدت كل ما يربط لك بصلة حتى ذلك الاسير الذي شابه اسمك قد قرأت سيرته، عرفت عائلتك وابوك وامك وزوجك وابناءك حفظهم الله، رأيت منزلك الذي مازلت أنت نفسك لم تره، ورأيت أخاك الذي فارقته أنت منذ اكثر ما يزيد عن عشر سنوات، لقد أصبحت بالنسبة لي سراجا وهاجا وقمرا منيرا لا اهتدي بك السبيل وإنما أرى نورك من بعيد وحينما أنظر لنفسي اصبحت انظر الى انعكاس ظل لا غير.
واعلم يا عزيزي أنني لا انصح كل ذا قلب أن يقرأ كتابك ولا كل ذا عين ان يبصرك ولا انصح ابدا أي مخلوق هزيل أن يعرفك، مثلك لهم اشباه ونحن لسنا اشباههم، وصدقني حتى الدعاء باجتماع بك عند جنات الله استكثره على نفسي بل واحرج من ربي ومنك ان ادعو به في خاطري، فمثلك من تطلب بهم الجنان (هكذا احسبك) وان عملي ليس كعملك وليس قلبي كقلبك.
مع كل سطر كنت أضع نفسي مكانك فترتجف أوصالي وتنكسر اهاتي، فأعود إلى رشدي وسرعان ما تاخذني الكلمات فارى ابنتي وركن منزلي ولحية أبي وتقاسيم وجه امي فارتبك واعاود قراءة الأسطر فتمتلكني الرعشة والدهشة، فانطلق غير ملتفت إلى السطر الذي بعده فابكي على نفسي وعلى أهلي وعلى حياتي فاتخبط في ذكرياتي ولم أجد مثلك من ينير قارعة قلبي التي تبعثرت واندثرت.
لا يمكنني الدعاء لك بالخلاص ولا الدعاء بالثبات وغيره من الادعية المعروفة لمن هم في مثل حالتك، أنا أدعو لنفسي التي ارهقتني أما أنت فما يضيرك أنت، وأنت أنت !!!
وأخيرا يا حبيبي الذي لن ألقاه تقبل مني كل الخيال وكل الأحلام فهناك عند سدرة الاوهام ابيت كل ليلة لعل روح خيالك تلقاني فتضمد فيا ما اثخنت فيها من جراح.
امير الظل أبو اسامة عبد الله غالب البرغوثي (ولد في 1972م، الكويت) مهندس وقائد كتائب عز الدين القسام سابقاً في الضفة الغربية، أسير في السجون الإسرائيلية، يقضي حاليا حكماً من أعظم الأحكام في التاريخ بالسجن المؤبد 67 مرة، إضافة إلى خمسة آلاف ومائتي (5200) عام؛ لمسؤوليته عن مقتل 67 إسرائيلياً في سلسلة عمليات نفذت بين العامين 2000 و2003م. يعتبر خليفة يحيى عياش في إدارة العمليات التفجيرية. تنحدر أصوله من بلدة بيت ريما في فلسطين.