سفيرنا المرتقب بواشنطن..
نصر الدين السويلمي
بعد خسارة يوسف الشاهد لكل حظوظه في رئاسة الحكومة، كان الجميع يعتقد أن طريق الخارجية أصبح سالكا أمام الرجل، خاصة مع ميل النهضة الى ادماج “حزب تحيا تونس” عبر بوابة الدبلوماسية وعدم ممانعة رئيس الجمهورية في ذلك بحكم العلاقة الدافئة التي تربطه بالشاهد، لكن ومع ركون الكثير من القوى الى هذه الفكرة، تبين أن الشاهد يعاني لإقناع حزبه بالمشاركة في الحكم، ولم يفلح في استمالة الصف الاول الا بأقدار لا تفي بالغرض. رغم ذلك كانت الطبقة المعنية بالحكم أو جلها تعتقد أن الشاهد سيواظب مع حزبه ويسعى لإقناعه حتى اقتلاع ورقة التأهل إلى حكومة الحبيب الجملي “او التي تليها”، لكن يبدو ان رئيس الحكومة الحالي، عدل عن مسعاه وعدّل في طموحه، واصبح يراهن على جبهات اخرى بأجندات أخرى.
يعلم الشاهد ان الاحزاب ذات الصرامة التنظيمية على غرار حركة النهضة أصبحت غير قادرة على التحكم في خصوصياتها وأصبحت المسودة التي تعدها اللجان لتعرض على مجلس الشورى، أصبحت في متناول تونس من بنزرت الى البرمة قبل أن تصل إلى المؤسسة الشورية، هذا عن الحزب الذي يملك بنية تنظيمية نحاسية صلبة، فما بالك عن تحيا تونس حديث النشأة، حديث التجربة، كثير التنافر، قليل التجانس، حيث تسربت الاخبار قبل ان ينهي الشاهد طرح فكرته وشرح أبعادها! تؤكد التسريبات ان يوسف الشاهد بصدد دراسة خيارين، إما الاضطلاع بمسؤولية متقدمة داخل القصر الرئاسي وهذه فرضية متقدمة ولها أسانيدها، والى ذلك هي ممكنة جدا بحكم الاشارات الايجابية التي أطلقها قيس سعيد تجاه رئيس الحكومة الحالي، وإن لم يكن ذلك فالخيار الثاني، أين طرح الشاهد على تحيا تونس رغبته في قيادة الدبلوماسية التونسية بواشنطن، في عملية استنساخ أو استئناس بتجربة الوزير الاول الاسبق رشيد صفر الذي غادر القصبة بعد انقلاب بن علي الى بروكسيل كسفير لتونس لدى المجموعة الأوروبية، خطوة كهذه ومنصب في حجم سفير بواشنطن يدرك الشاهد انه في غاية الاهمية، لما ينتظر تونس من مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي وبقية المؤسسات المالية والاخرى ذات النفوذ المالي السياسي الاقتصادي التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية..
قد يمضي الشاهد في هذه الأفكار، وقد يعدل عنها لمعاودة طرق باب الخارجية عبر اقناع شركاء تحيا، قد يفتح منافذ اخرى تطل به على السلطة، قد يتريث، قد يتحين، ثم يلجأ الى قرارات الربع ساعة الاخيرة، ربما تكون هذه الــ”قد” او تلك، ربما تكون “قدات” أخرى تدور في ذهن الرجل، لكن الثابت أن الشاهد لا ولن يجازف بالبقاء خارج دائرة السلطة، فلا تحيا تونس بذلك الحزب الذي يمكنه التزود بالوقود من محطة المعارضة ومن ثم معاودة الاقلاع باتجاه السلطة، ولا الملفات الشائكة التي تلاحق الشاهد تسمح له بمواجهة خصومه دون الاحتماء بصدرية الدولة.. انه السمك الذي كُتب عليه ان يعيش في بحر الدولة او الذهاب الى بر الفناء!!! كل المخالب والانياب التي شاغبها وواجهها وصفعها ووكزها، كلها تترقب خروج السلمون من بحر السلطة لتنقض عليه.. لا تغادر السلطة ايها السلمون، اقبع هناك في البحر ، في أي زاوية أو مفترق، تموقع تحت مجهر قنديل البحر، ابقى الى جانب الاخطبوط وتقرب من الدلفين ونسق مع فرس البحر، تحالف مع العوالق والرخويات والقشريات و الثدييات المائية.. لا تغدر بحر السلطة فكل الكواسر ترابط هناك على اليابسة، تُمني النفس بلحمك الشهي.. لحمك الطري.. أيها الولد المغامر.. انت مجنون وحائر.. كلما في البر غادر..لا تغامر ..لا تغادر..
نصرالدين السويلمي