عن فيضان العنف وجفاف الإعتناء العلمي بالظواهر
ماهر الزغلامي
كنت أتحدث منذ عامين أو أكثر، من خلال ما يتسنى لي التفاعل معه من دوائر بحثية، وأحذر من ارتفاع منسوب العنف في المجتمع التونسي. وقد اعتبرتها ظاهرة اجتماعيّة مكتملة الملامح ومهددة للسلم الأهلي لا يمكن التغاضي عنها.
طبعا لم تكن حينها ”موضة بحثية“ جاذبة ”للتمويلات“ فعُفَّ عن تناولها.
لا أورد هذا من باب السجال العقيم أو الإدعاء السخيف وإثبات الذات التعيس، بقدر ما أدعو فعلا للانتباه العلمي لما يعتري المجتمع وهو ما يندرج ضمن الهمّ الوطني المشترك.
وفي ما يلي شيء مما ذكرت:
•••
“في الاعتزال العقلي، المخدّرات والجريمة:
لا يمكن التعامل مع ظاهرة تعاطي المخدّرات في مناطق الاستبعاد باعتبارها سلوكات فرديّة، بل يجب فهمها على كونها من أخطر الظواهر الاجتماعيّة المهددة للأمن الصحي من ناحية وحتى للسلم الأهلي من ناحية أخرى. تلتحم هذه الظاهرة بعدّة عوامل أخرى تأثيرا وتأثرا، إذ يمكن ملاحظة أشكالها الأولى لدى فئة اليافعين في المدارس الابتدائيّة والإعدادية حيث تنتشر ظاهرة تعاطي المواد اللاصقة “colle forte”، وتلتحم بظاهرة التسرّب المدرسي.
في مرحلة ثانية من الإدمان يمكن ملاحظة انتشار ظاهرة تعاطي الكحول الطبّي الخام وهي مواد ذات مخلّفات صحيّة خطيرة. إضافة لانتشار الأدوية المخدرة، ويلتحم استعمالها بالخمول الاجتماعي وبالاستقالة من كل الأدوار الاجتماعيّة (العمل، العائلة، …).
وتبقى ظاهرة الحبوب المهلوسة أخطر صنف من أصناف الإدمان اللافت للانتباه في السنوات الأخيرة. إذ أننّا أمام ظاهرة تعاطي مواد مخصصّة للاستعمال الطبي، (أشهرها استعمالا هي حبوب النشوة من الميثيلين ديوكسي ميتامفيتامين، مع رواج حديث عن غزو مادة الميثفيتامين) يتمّ تهريبها واستعمالها حبوبا للهلوسة ليس بغرض التخدير فقط بل بغرض التغييب الكامل للحسّ والعقل في التحام مع مخزون العنف النفسي والنقمة الأمر الّذي ينتج عنه الإقدام على عمليات إجراميّة شنيعة ارتفعت نسبها بشكل لافت وأصبحت تشكلّ ظاهرة اجتماعيّة مرتبطة باستهلاك أنواع معيّنة من الأدوية المهرّبة. وهو ما يطرح سؤالا جديا عن قنوات تهريب هذه الكميات الضخمة من الأدوية وطبيعة شبكات الفساد المشاركة في هذه العملية التدميريّة“ -انتهى-.
•••
(من تقرير الإنتماء للإستبعاد في دوار هشير: العزلة وكلمات السرّ).