صالح التيزاوي
ليست الحرب الأولى التي يشنّها الصّهاينة على غزّة المحاصرة ولن تكون الأخيرة. وليست الحرب وحدها هي ما يؤذي أهل غزّة فقط، بل مناخ التضليل الذي يمارسه المجتمع الدولي من خلال الدّعوات إلى التّهدئة، حيث يحاول تصوير الوضع وكأنّه حرب بين قوّتين متكافئتين، متغاضيا عن حقيقة أنّ إسرائيل دولة احتلال مارست بحقّ الشّعب الفلسطيني التّقتيل والتّشريد إلى الشّتات في الدّاخل والخارج، حتّى أصبح منفيّا ومحاصرا في أرضه، ومتغاضيا عن حقيقة أنّ الشّعب الفلسطيني ،يمارس حقّا كفلته له جميع الشّرائع السّماويّة والأرضيّة في مقاومة احتلال استيطاني.
لا يعوّل أهل غزّة والفلسطينيّون عموما على موقف غربي منصف لهم، ولا موقف يدين جرائم الإحتلال، لأنّهم هم من تآمروا عليه (المعسكر الشّرقي والغربي) وأمدّوا الكيان الغاصب بأسباب القوّة والدّعم السّياسي، وكلّما نهض أصحاب الأرض يقاومون الإحتلال وتهويد المقدّسات تعرّضوا للوصم بالإرهاب.
ولا يعوّل أهل غزّة على الموقف الرّسمي للأنظمة العربيّة الذي تطوّر موقفها من الصّمت إلى التّحريض على المقاومة بهدف تمرير صفقة الموت أو ما يسمّونه سرّا صفقة القرن لتصفية القضيّة الفلسطينيّة والإنتهاء من صداعها للتّفرّغ لإنهاء المقاومة في كلّ أشكالها بما في ذلك مقاومة الشعوب العربيّة للأنظمة الإستبداديّة.. حفاظا على عروشها وكروشها وهي كلّما دفعت للكفيل نظير حمايتها من غضبة شعوبها، طالبها بالمزيد كما في حالة عربان الخليج، المنتدبون الجدد لتمرير صفقة الموت.
بين التّضليل الغربي وخيانة الأنظمة العربيّة الأستبداديّة يتطلّع أهل غزّة إلى الشّعوب العربيّة لنصرتهم ولو بأضعف الإيمان.. ولا يبدو أنّ الشّعوب العربيّة بإستثناء الحالة التّونسيّة أحسن حالا من الفلسطينيين، فهي ترزح تحت أنظمة قمعيّة تسلّطيّة تجرّم الإنتصار لغزّة المحاصرة ولو بأضعف الإيمان وتعتبره مؤشّرا خطيرا على وعي، يجب إخماده قبل أن يبلغ مداه في المطالبة بالحقوق والحريّات.
كيف للشّعب المصري أن ينهض لنصرة غزّة وهو تحت سكّين السّيسي، وليس لأحد أن ينتزعها منه سوى قضاء اللّه وقدره؟ وكيف للشّعب السّوري وهو تحت البراميل المتفجّرة لنظام الممانعة ومليشيات الملالي أن ينهض لمساندة أهل غزّة، فهو إمّا قتيل أو شريد؟ وفي الجزائر ولبنان والعراق، تعتصم الشّعوب العربيّة في الشّوارع مطالبة برحيل نخب فاسدة، لا هي راغبة في الإصلاح ولا هي قابلة للإصلاح.