لم يكن السّابع من نوفمبر يمرّ كما تمرّ باقي أيّام السّنة
عبد اللطيف علوي
لم يكن السّابع من نوفمبر يمرّ في قريتنا ولا في كامل البلاد مرورا عاديّا كما تمرّ باقي أيّام السّنة… كانت أجهزة الدّولة تفعل المستحيل لتجعله يوما من أيّام الملاحم الخالدة، فلا الشّمس تشرق فيه كما تشرق في غيره من اﻷيّام، ولا الطّير يصدح فيه كما يصدح في غيره من اﻷيّام، ولا الماء ولا الهواء ولا السّماء تصبح يومها كما كانت دائما!…
ولكي تصطبغ تلك المناسبة أكثر بصورة الفرح وترسخ في عقول الصّغار، جعل النّظام لها عطلة مدرسيّة بأسبوع كامل، ينتظرها التّلاميذ بكلّ شغف كما ينتظرون أهلّة اﻷعياد، وجعلها مناسبة يتكرّم فيها الرّئيس بالعفو عن المساجين الّذين قضوا جزءا من مدّة العقوبة، وهي في الحقيقة آليّة عاديّة معتمدة في كلّ بلدان العالم، جعلت من ناحية لتشجيع المساجين على الانضباط لنظام السّجن والتّحلّي بحسن السّيرة والسّلوك، ومن ناحية أخرى لتخفيف الضّغط والتّنفيس عن السّجون كلّما بلغ الاكتظاظ ذروته… لكنّها في تونس ألحقت عمدا بتلك المناسبات “اللاّوطنيّة”، ﻹيهام الجميع بأنّها من رحمات الرئيس وبركاته وكراماته الّتي تحلّ بالنّاس حين يكون راضيا…
الحقيقة أنّ 7 نوفمبر مثلما كان مناسبة تباع فيها أكياس الفرح المغشوش لصنف معيّن من التّونسيّين، كان أيضا نقمة ولعنة على كثيرين غيرهم لا يراهم أحد، ولا يتحدّث عنهم ولا يعلم بأمرهم سوى أهلهم البائسين وربّ العالمين…
فقد جرت العادة أنّه في مثل تلك المناسبات، كان المسرّحون السّياسيّون والإسلاميّون خاصّة، يُدعَون إلى قضاء اليوم كاملا والمبيت أحيانا في مراكز الأمن، كي لا يفسدوا على النّاس أفراحهم وابتهاجهم بتلك الأعياد، ويزداد رجال الأمن هوسا والوضع سوءا، حين يخرج الرّئيس لزيارة بعض المدن، للإشراف على الاحتفال ببعض المناسبات الدّينيّة أو الوطنيّة…
حين ينزل الرّئيس بجامع عقبة، كانت أجهزة الأمن بالقيروان تستبق تلك الزّيارات بحملات اعتقال واحتجاز تعسّفيّ تبدأ قبلها بشهر كامل، وكلّما اقترب الموعد تزداد القبضة الأمنيّة صلابة ووحشيّة، وقد تناقلت بعض اﻷخبار أنّهم في ليلة المولد النّبويّ الشّريف لهذه السّنة، وقع احتجاز أكثر من عشرين من المسرّحين الإسلاميّين، ولم يطلق سراحهم إلاّ بعد مغادرة الرّئيس.
أمّا في بنزرت فقد تعوّد عدد كبير من مساجين النّهضة على المبيت في مراكز الأمن ليلة الخامس عشر من أكتوبر من كلّ عام، بمناسبة حضور الرّئيس للاحتفال بعيد الجلاء. المضحك والمبكي في الأمر، أنّه قبل الموعد بشهر كانت المدينة تبدأ في التّزيّن في نفس الوقت الّذي تبدأ فيه الإيقافات في الطّريق العامّ والمداهمات والاستدعاءات إلى مراكز الأمن، حتّى لأولئك الّذين لا يخضعون للمراقبة الإداريّة…
رواية #أسوارالجنّة
#عبداللطيف_علوي