توفيق رمضان
رغم أني لست واحدا منهم فإني أرفع القبعة لجمهور وأنصار النادي الافريقي الذي أثبتوا فعلا أنهم شعب، شعب وحّدته أزمه فريقه /دولته فأتوا على كل ضامر ومن كل فج عميق ليطوفوا حول قلعة فريقهم محملين ببعض الملاليم، الدنانير، الملايين كل حسب قدرته للافريقي حسب حاجته.
تحية لشعب الإفريقي من أجل هذه الوقفة والهبّة الرائعة مهما كان المبلغ الذي سيُجمع لأن العبرة في الرمزية، فأن ترى طفلا يضحّي بحصّالته وشابّا (طالبا، تلميذا، عاطلا) يتنازل عن قهوة وسيجارة من أجل فريقه /دولته. نعم نجح الافريقي في جعل أنصاره شعبا يفرح لفوزه ويبكي لخيبته أو أزمته، يضحي بقوته من أجله، نجح الافريقي في أن يكون دولتهم التي لا تعطهم شيئا ماديا فلا هي تعالجهم إن مرضوا، ولا هي توفر لهم وسائل النقل، ولا المدارس، ولا تربطهم بشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، ولا هي تهتم بتعبيد الطرقات، ولا هي تشغّلهم أو تبني لهم مساكنا أو توفر لهم السيارات الشعبية، فلماذا يعطونها ولا ينتظرون منها شيئا ؟ لماذا لا يفعل شعب تونس مع دو لته هكذا؟ لماذا يرفض الموظف التونسي اليوم ضريبة التضامن الاجتماعي التي تقتطع من أجره والمقدرة بواحد من المائة منه ؟ لماذا يرفض المواطن دفع كل مليم للدولة سواء بتهربه الضريبي أو عدم تحمسه لأي مبادرة تطلقها الحكومة وفيها دفع للمال ؟ لماذا رفض البعض وانا واحد منهم التبرع بيوم عمل من أجل خزينة الدولة ؟ بينما مستعد أن أتبرع به للافريقي رغم اني لست من محبيه.
الاجابة سهلة برايي، الافريقي نجح في ما عجزت عنه الدولة، نعم عجزت الدولة في الوصول إلى إسعاد شعبها وتحقيق انتظاراته منها، عجزت في أن تخلق ذلك الرابط القوي بينه وبينها الذي يجعله يبكي ويغضب إن أصابها أو هددها شيء ويقفز وربما يموت فرحا إن رآها في احسن حال، فشلت في التوزيع العادل للثروة والتنمية، فشلت في أن تصبح دولة الكل ونجحت في البقاء كمزرعة بيد بعض الأقليات والعائلات يمتعون بخيرها وحدهم بينما الافريقي نجح في القضاء على كل ميز لانه يلعب لاسعاد كل جمهوره من الشمال الى الجنوب ريفا ومدينة، الغني والفقير، اليميني واليساري، المسيس والمستقل…
ما جعل شعب الافريقي يقوم بما لم يقم به شعب تونس هو وضوح أسباب الأزمة ووضوح الهدف وتوفر الثقة بالنسبة له وغموضهما لدى شعب تونس. الوضع الذي تعيشه تونس اليوم لم تصارحنا الحكومات المتعاقبة بسببه، فإن كان الاستبداد هو السبب فها قد تخلصنا منه منذ ثماني سنوات وأصبحت لنا ديمقراطية وانتخابات وتداول على السلطة وجاء «الأخيار» وذهب «الاشرار».
إن كان الفساد هو السبب فما منعهم من مسك الفاسدين ومحاكمتهم واسترجاع الاموال المنهوبة ومحاربة المتهربين ومصاصي الدماء من البارونات والمافيات والعائلات المتنفذة؟
شعب الافريقي يعلم ان سبب ازمة فريقه /دولته هي انتدابات عشوائية قام بها رئيس فاسد لغايات سياسوية لا زال الفريق يعاني جرّاءها.
في ما يخص الهدف والثقة، شعب الافريقي اتضحت أمامه الرؤية وتوفرت لديه الثقة إذ هو مطمئن إلى أن ما سيجمعه من أموال سيذهب لتسديد الديون وهو ما لم يتوضح أمام شعب تونس ولم يتوفر لديه فحكوماتنا الموقرة على مر العقود لم تنجح في نيل ثقة شعبها، حتى زمن الاستبداد وصندوق التضامن 26-26 كان التبرع فيه خوفا وطمعا لا اقتناعا وحبا في العطاء ولو سالت اي مواطن اليوم عن رأيه في التبرع للدولة لاجابك بهدوء «توا ياكلوها الصحاح» فهناك انعدام للثقة في الدولة ومؤسساتها فلا ثقة للمواطن في القضاء ولا الأمن ولا ثقة للفاعلين السياسيين في هيئة الاتتخابات ولا ثقة للإعلاميين في الهايكا، لا ثقة للشباب في المناظرات وحتى في مكتب التشغيل.
استرجع شعب تونس ثقته في دولته في الثورة واعطى درسا في ايامها الاولى عندما راينا احتراما للصفّ حتى امام المخابز، رأينا شعبا رغم ضيق حاله يذهب الى اللاجئين في مخيم الشوشة محملا بالغذاء والغطاء، رأينا شعبا يقتسم بيته وغرفته مع اشقائنا الليبيين الفارين من بلدهم، رأينا شعبا اصبحت اغنيته المفضلة النشيد الرسمي، فأين رحل ذلك الشعب ؟
الشعب هو نفسه، المواطنون هم انفسهم فقط حضر الإحساس بأن ثورتهم سرقت منهم، بأنهم رعايا في وطنهم، بأن حلما راودهم تلاشى واملا اغتيل أمام اعينهم فذهب بعضهم للجبل والكهوف واهما أن الحل في ما سيقوله مصاصو العقول وتجار الدين ولصوصه المبشرين بالجنة وحور العين، ومن نجا من الجبل اكلته قوارب الموت التي تبشر بجنة وراء البحر.
شعب تونس يمكن أن يقوم بما قام به شعب الافريقي واكثر فقط لو جعلتموه يحب بلده /الفريق الوطني كما يحب شعب الافريقي ناديه وتتضح الرؤية والهدف أمامه ويعم مناخ الثقة، فسيضحي ويموت من اجل البلد… نعم من أجل البلد والبلد فقط.