تدوينات ساخرة

القمل يحاكم “البورقيبية” !

بشير العبيدي

#بالفلفل_الحار

بعد أن أنهتْ “البورقيبيّة” حروب الإبادة ضدّ القمل الذي كان في رؤوس وعانات التونسيين والتونسيات، وبعد سقوط ملايين الضحايا ما بين قملٍ وصئبانٍ وبرغوثٍ و”بُغبشٍ” نتيجة تلك الإبادة، وبعد أن صارت الظروف الدوليّة مناسبة لإعادة فتح هذا الجرح الغائر عند نوع القمل، اجتمع ما تبقى من ذراري القمل والصئبان، وتقرّر تقديم ملفّات للقضاء برسم إجراء محاكمة عادلة، من أجل إعادة كتابة الحقيقة المطموسة، وإقامة العدل، ونيل التعويض لفائدة الأحفاد نظير الانتهاك والاضطهاد الذي ناله الأجداد !

تقدّم محامون عن القمل بملفّ القضية إلى هيئة القضاء الأعلى، وفيها كلّ ما تمكّن أحفاد القمل والصئبان والبرغوث والبقّ و”البُغبُش” من جمعه من مؤيّدات وقرائن وبراهين وحجج على إبادة البورقيبية لأجدادهم، عن طريق الكيميائيات التي وضعت في الصابون والشونبوان والغسول والمطهّرات والمبيدات، والتي وزّعتها الحكومات البورقيبية المتعاقبة على أبناء الشعب التونسي طيلة أربعين سنة دون انقطاع، وامتدت -جغرافياً- من برج الرومي شمالا، إلى برج الخضراء جنوبا، ومن طبرقة غرباً إلى جربة شرقا، مروراً بالقصرين وقفصة، بل وصلت آثارها إلى إبادة القمل الذي كان يرعى في رؤوس الحدوديّين الجزائرييّن والليبييّن، ويقال أنّ أمّ كلثوم -هي الأخرى- تمّ إبادة قملها في المطار حين زارت تونس لأوّل مرّة، لتغنّي أغنيتها الشهيرة “حسيبك للزّمن”!

وانتصبتْ المحاكمة التاريخية الكبرى ضدّ البورقيبية، في هيئة المحكمة برئاسة كبير الجراد، ومستشار أوّل من القراد، ومستشار ثانٍ من العلق. وكان البرغوث هو المدعي العام، وكان المرافعون عن البورقيبية جماعة غفيرة، منهم ابن الفهريار، وابن الغلابين، وابن العماريين، وممثل عن القيم العام، وابن اللطائف، وبنت القاضي، والقط الرمادي، وابن القرويين، وبنت الشرف وعزّ آخر الزمان، وابن الثقفوت وابن الجهلوت، وغيرهم.

وحضر صحفيون من جميع وسائل الإعلام والتعمية، خصوصاً قناة الخوار، وقناة نقمة، وإذاعة “فغونسي يعبّر خير” أف. أم. وممثلون عن المنظمات الوطنية جدّا، منها اتحاد قطع الأرزاق، ومافيا المعكرونة.

بدأت المحاكمة في جوّ مهيب، إذ تلا ممثّل الادعاء العام بيانا ناريّا عن جرائم البورقيبية ضدّ القمل، وقال -بعد أن عرض صوراً مؤثرة ومقاطع مرئية- تبيّن سكب السوائل الكيميائية على رؤوس التونسيات والتونسيين المقمّلين المتصأبنين المتبرغثين في جميع القرى التونسية والمدن والأرياف، منذ سقوط الإيالة التونسية وانتصاب الجمهورية الأولى. وقال المدعي العام أن تلكم الجرائم ترقى إلى درجة “جرائم ضدّ إنسانية القمل والصئبان والبق والبرغوث”، وطالب بالنطق بحكم إعدام البورقيبية في شارع الثورة التونسية المجيدة أمام الشعب، لكي يكون ذلك عبرة لمن يعتبر، داعيا إلى إعادة تأهيل القمل والصئبان والبرغوث والبُغبش في البلاد، وتركه يرعى في مناطقه التاريخية ضمن محميات، مع منع مطلق لاستخدام الغسول والصابون وغبرة “الأومو”، حفاظا على مراعي القمل الخصبة، ومراعاة للبيئة الطبيعية. كما طالب المدعي العام بإعادة الاعتبار للقمل والصئبان والبرغوث والبُغبش، وتسمية أهم شوارع البلاد بهذه الأسماء، وتعويض أصحاب الحقوق عبر إنشاء “الصندوق الدولي لجبر ضرر ضحايا البورقيبية من القمل” أو – اختصاراً (صدج ضبق)! وفي سياق الاتهام، عرض المدعي العام على الطاولة المنتصبة في المحكمة، مئات الفلّايات المستخدمة لنزع القمل، وبين أسنان أكثرها هياكل عظمية تعود للقمل، وبيض مكسّر لفراخ الصئبان، المساكين.

وتقدّم المرافعون عن “البورقيبية” في جوّ بهيج، ووكّلوا بنت القاضي أن تمثّلهم في المرافعة، فأبلت البلاء الحسن، لا ترهّل لها لسان ولا غباغب، وكانت لا تقول كلمة بالعربية، إلا جعلتها تتعكّز على عبارة “بالفغونسي الذي يعبّر خير”، فأقنعت، وأمتعت، وأبدعت ! وممّا قالته، لا تكسّر لها سنّ ولا سوّس لها ضرس، أن البورقيبية فلسفتها هي إبادة القمل من الوجود، وأنه لولا حملة الإبادة تلك لظلّت تونس تحت الاستعمار المؤبّد، لأن التونسيين، بسبب قرص القمل والصئبان والبرغوث والبغبش، كانوا لا يتوقفون عن حكّ جلدة رؤوسهم، وأن ذلك منع الناس من التفكير في الجهاد ضد المستعمر، فلمّا أبادت البورقيبية القمل، تمكّن التونسيون من إدراك معنى التفكير واستخدام فكرهم، وأنّ الحرب على القمل هو مجرد عنوان لأن البورقيبية علمت التونسيين ماهية الفكر، وقد كانوا أشبه ببهائم (بقر الله في زرع الله)، وهو ما لم يحصل منذ الحروب البونيقية، وهو ما يفسّر طول حقب الاستعمار الذي رزحت تحت نيره تونس منذ ثلاثة آلاف سنة ! قالت بنت القاضي ذلك فدوّخت هيئة المحكمة بهذه القرينة، وسط تصفيق الحاضرين وزغردة الحاضرات، ثم جلست ترتاح في مقعدها، والناس يلقون على رأسها -غير المقمّل- أزهار الفلّ والياسمين !

ثم تحدّث رئيس المحكمة، السيد جراد منتشر، مع مستشاريه وأعلن قائلا : التصريح بالحكم سيكون خلال ربيع الثاني، رُفعت الجلسة !

وضرب تلك الضربة على الطاولة !

يا لخيبتي ! لقد كنت أنتظر بفارغ الصبر حكماً باتاً لإنصاف البورقيبية التي كانت تبيد القمل في رؤوس وعانات التونسيين والتونسيات، خدمة للأمّة التونسيّة العظيمة !

✍🏽 #بشير_العبيدي | ربيع الأول 1441 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أمَلًا|

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock