محمد كشكار
عن أي خبراء وبرامج تتحدثون أيها الحكام الذين ليس بإرادتكم تحكمون، السابقون منكم واللاحقون؟ مواطن العالَم، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable
إنكم والله كالشعراء تقولون ما لا تفعلون وفي كل حزب تهيمون، لا فرق بينكم إلا وعود وهمية علينا صباحا مساء ترددون.
لنبدأ بـ”تفريك الرمانة”، مشاكلنا في تونس مشاكل هيكلية دائمة وليست مشاكل عرضية ظرفية، مشاكل عمرها ثلاثون عاما أو أكثر، مشاكل تنقسم إلى قسمين، مشاكل يمكنكم حلها لو توفر فيكم الصدق في القول والإخلاص في العمل (شيئان في بلدي قد خيبا أملي *** الصدق في القول والإخلاص في العمل، الشاعر التونسي العظيم المغمور منوّر صمادح)، ومشاكل لا يمكنكم حلها حتى ولو لبستم جبة عمر بن الخطاب، هو رضي الله عنه أما أنتم فالله حتمًا لن يرضى عن أفعالكم حتى لو رضي عن صلاتكم وصيامكم:
1. ما هي المشاكل التي يمكنكم حلهاّ؟ هي مشاكل لا تتطلب خبراء ولا برامج ولا هم يحزنون، مثل:
- الحد من سرقة الباﭬاج في علبة مطار قرطاج.
- تنظيم جدول أوقات لحسن تسيير بعض القطارات على مسافة بعض الكلمترات بين برشلونة وحمام الشط وبين التيجييام وسيدي بوسعيد.
- رصد هلال رمضان.
2. ما هي المشاكل التي لا يمكنكم حلهاّ ولو حرصتم؟ هي مشاكل فعلا تتطلب خبراء وبرامج، وجوستمان لأنها برامج اقتصادية مهمة ومربحة فقد منعكم أصحابها الغربيون من التدخل فيها وأخرجوها عن دائرة نفوذكم وإرادتكم وحجّروا عليكم الخوض فيها، محرّمة على خبرائكم إلا المرتزقة منهم ومغيبة قصدا في برامجكم (يُسمى بالفصحى الاستعمار غير المباشر):
• ميناء رادس، ميناءٌ تمرّ عبره جل السلع المهرّبة وهو على بعد أمتار من قصور قرطاج والقصبة وباردو ونورُ فساده يكاد يفقأ عيونكم. أرُوني ما أنتم فيه فاعلون إن كنتم من الصادقين! سيدكم مهاتير محمد، عمر خطاب ماليزيا، الذي لا يقدر على المزايدة على وطنيته أحدٌ، تعرّض قبلكم لنفس المشكل ووجد له حلا جذريا، حلا يبدو في ظاهره غير وطني وهو الآتي: كلّفَ شركة أجنبية، أظنها أسكندنافية (خير أمة أخرِجت للناس فعلا وليس قولا)، كلفها بمقابل بالسهر على تطهير كل نقاط العبور الحدودية، البرّية منها والبحرية والجوية. خلال عام أو عامين أنهت مهمتها، قبضت ثم غادرت، وتسلم مهامها طاقم ماليزي نظيف جديد.
• المديونية، المصيبة أن مُقرضَكم الوحيد والإجباري (FMI) عملاق وأنتم جنبه أقزام. وماذا يستطيع فعله القزم أمام العملاق؟ اللهم نقلة نوعية في القلب والضمير، تنقلكم من قزم إلى عملاق! وما أمام الإرادة البشرية شيءٌ مستحيل. قَدِرَ عليها حديثًا أبطال قارّتنا الروانديون والأثيوبيون، فهل يعجز عن الإتيان بمثلها التونسيون؟
• النظافة والتلوث البيئي: تراكم الزبلة المنزلية في الطرقات والساحات وتراكم الفضلات الكيميائية في خليج ﭬابس وواحة ﭬابس وسماء ﭬابس. العملاق الغربي الرأسمالي هنا أيضًا هو المذنب، اخترع نمطا استهلاكيا جشعا معاديا للبيئة وخلق له في بلاده تكنولوجيا التخلص من الفضلات. صدّر لنا (غصبًا عنا) نمطه (المنتج كثيرا من للفضلات) بحثا عن الربح السريع ولم يصدّر لنا تكنولوجيته للتخلص من الفضلات لأنها تنقص من أرباحه هو لأنه هو نفسه المستثمر الصناعي الأول في بلادنا. فتراكم فضلاتنا في طرقاتنا وبحارنا إذن ليس حجةً علينا بل حجةٌ على حكوماتنا: استوردتْ غصبا عنها نمطا غربيا استهلاكيا مضرّا بالبيئة لأنه ينتج كثيرا من الفضلات ولم تستورد أو المستثمرون الأجانب في تونس لم يريدوا أن يأتوا بتكنولوجيتهم للتخلص من الفضلات، لم يأتوا بها، قصدا لأنها مكلفة، طمعًا في الربح الكثير دون ضمير ولا رقيب ولا حسيب (قوانينهم تُطبَّقُ حرفيا في بلدانهم وتمنعهم من إلحاق الضرر قصدا ببيئتهم، أما قوانيننا فلا تُطبَّقُ حرفيا في بلداننا ولا تمنعهم هم الأجانب من إلحاق الضرر قصدا ببيئتنا. لنا الله!)، مثال: متعددو الجنسيات المستثمرون في الصناعات الكيميائية الملوثة بـﭬابس، مطالبون قانونيا برسكلة نفاياتهم عوض التخلص من الصلبة منها (phosphogypse) في خليج ﭬابس ومن الغازية منها (phosphore) في صدور الـﭬوابسية. لماذا لم يرسكلوها؟ لأن الرسكلة تتكلف أموالا طائلة وسادتهم غير مستعدين للتضحية ولو بنسبة 1% من جملة أرباحهم.
إمضائي (مواطن العالَم، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ “الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي” – Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle):
“وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر” (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence. Le Monde diplomatique
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 3 نوفمبر 2019.