خلاص لبنان… مأزق إيران… فرصة إسرائيل

عماد محنان

الوضع في لبنان دقيق أكثر ممّا كان دائما. وخطورة هذا الظّرف في سياق تاريخي استحكمت فيه متاعب لبنان وطنا وشعبا وجيشا ونخبا متأتّية من:

ولا يمكن للقراءة التّجزيئيّة التي تتناول الوضع اللبناني بمعزل عن السياق العام الذي تجري فيه الصّراعات الدّوليّة وخصوصا جبهة صراع أمريكيا وروسيا، والإقليميّة أي إسرائيل وإيران وتركيا والسّعوديّة، أن تفهم مجريات الأحداث الحاليّة والمآلات التي يُراد لها أن تنتهي إليها. فالطّوائف في لبنان ليست مجرّد خيوط في النسيج العقائدي اللّبناني وأكبر من أن تكون خارطة لتوزّع النفوذ الجغرافي للأحزاب والزّعامات اللبنانيّة. فالواجب أخذه بعين الاعتبار في القراءة السياسيّة هو أنّ الطّوائف اللّبنانيّة تعكس إلى حدّ كبير ولاءات خارجيّة. فإذا كانت الاحتجاجات اللبنانيّة أفقيّة أعلن فيها الشباب اللبناني نفض اليد من الطّوائف فذلك مؤدّاه إلى أنّ الزّعامات أيضا تخسر مواقعها الدّاخليّة ليتخلّص لبنان من ولاءاته ومن ارتهاناته التي فرضتها عليه زعاماته الطّائفيّة استجابة لمنطق الحرب الباردة وما تقتضيه من اصطفافات وولاءات.

فالسّياق العامّ يتميّز بصراع عنيف بين الولايات المتّحدة وإيران بسبب المشروع النّووي الإيراني وغيره من الأسباب الظاهرة والمعلنة كسطوة إيران وتوسّع نفوذها الإقليمي في العالم العربي واحتلالها فعليّا لأجزاء منه. فالوضع في العراق باستثناء كردستان تحت الكلكل الإيراني، وهذا إلى جانب حضور إيران القويّ في سوريا ونصرها الواضح في اليمن. ومعلوم أنّ حزب الله امتداد إيديولوجي وذراع عسكريّة لها في لبنان. فالسؤال الذي ينبغي أن تجيب عنه أيّ قراءة سياسيّة للاحتجاجات اللبنانيّة هو السؤال المتعلّق بالتّزامن بين الاحتجاجات في العراق ولبنان. هل جمعتهما الصّدفة أم تشابه المعطيات الموضوعيّة أي استشراء الفساد والفقر وارتقاء النّفوذ الإيراني تدريجيّا إلى مستوى الاحتلال المباشر؟ أم هل هما فصلان في سيناريو خارجي يرمي إلى بتر أطراف المشروع الإيراني التوسّعي في المنطقة العربيّة؟

وبحسب طبيعة الإجابة عن هذا السؤال نفهم وجهات النّظر فيما يجري اليوم على السّاحة اللّبنانيّة إن كان تحرّرا داخليّا أم نزوعا إلى الخلاص من احتلال خارجي.

إنّ قراءتيْ الولايات المتّحدة وإيران لهذا الحراك على طرفيْ نقيض. فبينما عبّرت الإدارة الأمريكيّة بوضوح عن مساندة احتجاجات لبنان عبّرت إيران عن رفضها من خلال حزب الله الذي أعلن رفضه تغيير الحكومة ثمّ اعتمد التّصعيد إلى حدّ الصّدام مع المتظاهرين وخصوصا في مناطق نفوذه. وهذا التّناقض في الرّؤية يعني أنّ لبنان ساحة صراع بين أمريكا وإيران. ولئن كان من مصلحة الولايات المتّحدة وإسرائيل دفع الأمور إلى المواجهة والصّدام فإنّ حزب الله يدرك مليّا نتائج ذلك. ومقوّمات العنف السياسي في لبنان قائمة وعوامل الحرب الأهليّة معلومة. وفي حال اندلاع الحرب الأهليّة فإنّ سيناريو اليمن سيستنسخ في لبنان. وذلك لأنّ فارق التّسليح والخبرة يرجّحان كفّة حزب الله. وقد يعبُر لبنان من الحكم الطّائفي إلى صراع الطّوائف. ويُعتبر هذا السيناريو فرصة تاريخيّة لإسرائيل. فقد لا تعلن الحرب مباشرة على لبنان إلاّ عند بلوغ الأطراف اللبنانبّة المتنازعة نقطة الوهن وفي حالة النّجاح الديبلوماسي في تحييد إيران وروسيا بواسطة المقايضات بملفّات أخرى، لكنّ إسرائيل ستباشر منذ البداية حرب جاسوسيّة واسعة النّطاق متوازية مع تنفيذ مخططات اغتيال ومحاولات لقضم الحدود اللبنانية وتضييق الخناق على حزب الله.

إنّ السّيناريو الأسلم والأنسب للحالة اللّبنانيّة هو احتذاء الأنموذج الجزائري، أي تقوية اللّحمة بين الشعب والجيش من أجل ضمان حياد المؤسّسة العسكريّة وحمايتها للاحتجاجات، وشروع المؤسّسة القضائيّة في محاكمة رموز الفساد من الطبقة السياسيّة بعد اتّخاذ إجراءات عاجلة لتحجير السّفر ورفع السرّ البنكي واتخاذ إجراءات لاسترجاع الأموال المنهوبة. ولا يمكن النّجاح في تنفيذ هذا السيناريو من دون توافق عميق مسنود جماهيريا بين الجزء النزيه من المؤسسة القضائيّة ومؤسسة الرئاسة ورئاسة الحكومة. فالطبقة السّياسيّة اللبنانيّة هي أصل المشكلة وبداية الحلّ في الوقت نفسه. كذلك طُبّق الدّستور القديم في المرحلة الانتقاليّة في تونس لوضع دستور جديد وإرساء دعائم الحكم الدّيمقراطي.

د. عماد محنان

Exit mobile version