تدوينات تونسية

“المطبّة” في خطاب الرّئيس والطبّوبي

فتحي الشوك

“كلام فارغ، والشعب المفقّر هو دوما من يضحّي ويدفع، يستهدفون الأسماك الصغيرة الضعيفة ويتركون الحيتان الكبيرة والقروش” قال أحدهم على يساري.

“كيف لمن يصرف مرتّبه في يوم واحد ليسدّد ديون الشهر الفارط أن يجد ما بتبرّع به، ثمّ ألم يكن بالإمكان البدء باسترجاع الأموال المنهوبة وإدخال الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية، وتعديل السياسة الضريبية لجعلها عادلة وناجعة، والتحجيم من عدد الوزراء والمستشارين والموظفين الذين لا يقومون بشيء سوى غنم أجر عمل لم ينجز؟” ردّ صديق لي على اليمين.
ليتدخّل آخر جالس قبالتي ويضيف: “ارجاع قطاع الفسفاط الى مستواه الانتاجي المعتاد والكفّ عن الإضرابات العشوائية وإعلاء قيمة العمل لينجز كل منّا ما هو مطلوب منه يكفي ويغنينا عن هذا الهراء والمزايدات”. ليتدخّل ناذل المقهى ويدلو بدلوه ككلّ مرّة: “ألم أقل لكم أنّ عهد بن علي أفضل”.
فينطق صديقي المصاب ببعض الحول الأيديولوجي: “اقتطع من عرقنا سابقا ليصرف تعويضات على الاخوانجية ولن نسمح بذلك مجدّدا”.
ليعرّج وافد عابر: “لو صرّح بما قال في حملته الانتخابية لما فاز”.
كنت صامتا استمع لما يقال إلى أن صمتوا موجّهين نحوي السّهام وكانّهم ينتظرون منّي تفسيرا وتعقيبا على ما قيل ويقال.
قلت بعد رشفة من قهوتي السوداء ونفس عميق من سيجارتي صفاء: “ما لكم يا سادة اختزلتم كلّ الخطاب في اقتراح قد يقبل أو يرفض، ألم ترون أنّه كان رائعا ومفيدا شكلا ومضمونا، ألم تستشعروا رسالاته المباشرة والمشفرة، المطمئنة للداخل والخارج، تثبيت الحريات والدفاع عنها، ترسيخ علوية القانون، استمرارية الدّولة ومنع انهيارها، محاربة الفساد، الثورة الثقافية والقيّمية، السّيادة الوطنيّة واستعادة القرار واستبعاد الوصاية، الاعتراف بالتعهدات مع مراجعة المعاهدات بما يضمن حقوقا كانت منتهكة، مساندة القضايا العادلة وعلى رأسها أمّ القضايا، فلسطين المغتصبة.
بعض الكلمات أنستكم ما قيل في فقرات!
ثمّ الستم انتم من تتباكون على وطن يتهاوى وتدّعون استعدادكم للتضحية من أجله؟
هو اقتراح من رئيس يعلم حدوده واختصاصاته، رحم الله زمنا كان الرّئيس يفصّل ويلبس على هواه ومقاسه، هو للاستثارة والقدح ولتحريك المياه الراكدة، لولا ما قال لما خضتم في كل ما خضتم فيه ولما طرحتم الإشكاليات والمشاكل لتبيان بعض الحلول.
لا تستهينوا بالكلمة وتذكّروا حالة الوعي التي عشناها ونعيشها نتيجة لبعض الكلمات والعبارات الصادقة.
نعم سيضحّي كلّ منّا بما يقدر حين يشعر بأنّ من يضحّي لأجله يعنيه وهو جزء منه وحين يبصر بعض ثمرات تضحيته حتى وان لم تنضج لتبقى لأبنائنا ليقطفوها ويأكلوها هنيئا مريئا.”
سكت الجمع وكأنّ على رؤوسهم الطّير لنتفرّق ولتجدني أقرأ ما قاله الطبّوبي في ما اعتبر مطبّة: “الّي يشتهي شهوة يعملها في عشاه” لأستفيق من حلاوة كلام الرّئيس على رائحة عفن واقعنا التّعيس.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock