عبد اللّطيف درباله
لو كان سامي الفهري يضمن الحصول على عفو رئاسي خاصّ من السّجن عن الرئيس قيس سعيّد.. لمدحته قناة الحوار التونسي كما لم يمدح أبدا المتنبّي الإخشيدي..!!!
ولرأيت بلقاضي وبوغلاّب والعماري والقصوري والبلّومي يلمّعون أحذية قيس سعيّد بألسنتهم.. مثلما لمّعوا أحذية نبيل القروي وعبد الكريم الزبيدي والباجي قايد السّبسي وغيرهم الكثير..!!
أو لأطردهم جميعا..!
يتعامل سامي الفهري مع الأحزاب والشخصيّات السياسيّة.. والمسؤولين في الحكم.. في تونس بمنطق.. فضّوا لي مشكلتي القضائيّة.. واضمنوا لي عدم السجن.. وإلاّ فإنّني سأحاربكم.. وأشوّهكم.. وأشعل ضدّكم الرأي العامّ..!!
فمشكلة سامي الفهري الكبرى أنّه مهدّد بالسّجن في قضيّة الفساد الشهيرة التي يحاكم من أجلها أمام القضاء منذ سنة 2011..
إذ أنّه ومباشرة بعد الثورة.. وفي غياب مبادرة رسميّة من السلط المختصّة.. أو من إدارات التلفزة التونسيّة.. رفعت نقّابة التلفزة ومنتجين آخرين متضرّرين.. من خارج التلفزة.. قضايا جزائيّة ضدّ سامي الفهري من أجل الفساد والمحسوبيّة والتربّح من التلفزة التونسيّة بدون وجه حقّ.. مستغلاّ علاقته السّابقة بنظام بن علي.. وبكونه شريكا لبلحسن الطرابلسي شقيق ليلى الطرابلسي زوجة بن علي..
وقد مرّت القضيّة عبر التحقيق بجميع مراحله.. وأوقف حينها الفهري على ذمّة التحقيق لمدّة ناهزت السنة.. ثمّ أفرج عنه لاحقا.. وبقي بحالة سراح..
ثمّ انتهى التحقيق ووجّهت لسامي الفهري مع عدّة أشخاص آخرين منهم بلحسن الطرابلسي الهارب.. وعدد من وزراء بن علي.. وبعض مديري التلفزة.. التهمة رسميّا.. وأحيلوا على المحكمة المختصّة من أجل محاكمتهم..
أظهرت الإختبارات العدليّة المنجزة في التحقيق أنّ سامي الفهري وبخلاف المحسوبيّة والمحاباة التي ربح بها المليارات بفرض برامج شركته مع بلحسن الطرابلسي “كاكتيس” على التلفزة التونسيّة بمقتضى عقود مجحفة لصالحه.. فإنّه خالف حتّى بنود العقد نفسه.. وخرقها.. ليمكن له تبعا لذلك ربح ملايين الدّينارات الإضافيّة.. وقد حدّدتها الإختبارات التي قامت بمحاولة حصرها في البداية بمبلغ يناهز 25 مليون دينار تونسي (25 مليار من الملّيمات)..!!
غير أنّ المحكمة المختصّة أذنت بإجراء إختبارات جديدة لتقييم الخسارة وحجم الأموال المستولى عليها بلا وجه حقّ من التربّح غير القانوني لسامي الفهري وشركائه.. وطبقا للمعلومات الواردة.. فإنّه وبحسب الإختبار الجاهز والذي استغرق وقتا طويلا.. وينتظر تقديمه للمحكمة قريبا جدّا.. فيبدو أنّ المبالغ الجمليّة قدّرت بأكثر من 40 مليون دينار..!!
وفقا للمنطق القانوني والقضائي غالبا.. فما دامت المحكمة المختصّة بالنّظر في قضيّة سامي الفهري أذنت بإجراء إختبار عدلي جديد لتقدير قيمة الأموال المستولى عليها.. فإنّ في منطق المحكمة أنّ إدانة سامي الفهري وشركائه هي ثابتة.. وأنّ الأمر يتعلّق فقط بتقدير حجم المبلغ المستولى عليه للحكم به لفائدة المتضرّر القائم بالحقّ الشخصي.. وهي التلفزة التونسيّة أساسا..!!
وقد أجلّت القضيّة إلى جلسة قادمة يوم 3 نوفمبر 2019.. ويعتقد أنّها يمكن أن تستغرق عدّة أشهر أخرى قبل إصدار الحكم الإبتدائي في حقّ سامي الفهري..
وقد سبق لسامي الفهري أن حاول مرارا وتكرارا إبرام صلح مع التلفزة التونسيّة بدفع مبلغ مالي معيّن يفوق 20 مليون دينار.. لتسوية الموضوع وغلق الملفّ نهائيّا.. إلاّ أنّه لم يتمكّن من ذلك..!!
ويعني كلّ ذلك ببساطة أنّ سامي الفهري يدرك تماما أنّ إدانته من القضاء شبه مؤكّدة.. ممّا سيعرّضه لعقوبة بالسجن.. ولتعويض مالي ضخم جدّا.. وأنّ المسألة مسألة وقت لا غير قبل أن يجد نفسه مرّة أخرى سجينا لمدّة لا يعرف أيّ شخص مقدارها..!!!
أمام سامي الفهري والحالة تلك خيارين إثنين..
إمّا الهرب من البلاد قبل أن يصدر حكم عليه.. خاصّة وأنّه في حالة حريّة كاملة حاليّا.. وليس ممنوعا من السّفر.. لكن ذلك يعني اضطراب أعماله في تونس.. واضطراره إلى البقاء في الخارج لسنوات طويلة جدّا قبل أن تسقط عقوبته بمرور الزّمن.. وهو ما يمكن أن يقلب حياته رأسا على عقب..!!
أو أن يقبل سامي الفهري دخول السّجن.. عوض الهروب.. لمدّة سنوات معدودة.. كحلّ أفضل من خسارة أعماله واضطراره إلى مغادرة تونس إلى آخر حياته..!!
لأجل ذلك.. فإنّ سامي الفهري يجري محاولات بكلّ الطّرق ليحصل على دعم سياسيّ من أيّ جهة يمكنها أن تساعده في قضيّته.. أو يبرم صفقة تبادل منافع مع أيّ طرف نافذ قد يعفيه من السّجن..!!
وفي نفس الوقت يمارس الفهري ضغطا وتهديدا متصاعدا وشرسا على الجهات السياسيّة المختلفة بغرض حملها على مساعدته وحمايته من القضاء ومن مصير السّجن..!!
وكان سامي الفهري طوال رئاسة يوسف الشاهد للحكومة داعما له ولحكومته.. بل وكان مساندا له بقوّة إثر تمرّده وإنقلابه على نداء تونس وعلى رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي وابنه حافظ..
إلاّ أنّ الفهري غيّر فجأة وخلال الأشهر الأخيرة قبل الإستحقاق الإنتخابي وجهته نهائيّا من يوسف الشاهد إلى نبيل القروي..!!
ويبدو أنّ بوصلة المنفعة لسامي الفهري كانت محدّدة كالعادة لسير الخطّ التحريري لقناته التلفزيّة “الحوار التونسي”..
ذلك أنّه وطوال الأشهر الأخيرة قبل الإنتخابات.. احتلّ نبيل القروي نوايا التصويت في الإنتخابات الرئاسيّة.. وسيطر عليها.. في حين تدحرج يوسف الشاهد إلى ما بعد المرتبة الرابعة والخامسة.. ولم تعد له عمليّا أيّ حظوظ في الفوز برئاسة الجمهوريّة..!!
كما أنّ حزب قلب تونس لنبيل القروي كان في المراتب الأولى في استطلاعات نوايا التصويت في الإنتخابات التشريعيّة.. في حين لم يكن لحزب تحيا تونس ليوسف الشّاهد حظوظا وافرة في الفوز بالمرتبة الأولى وتشكيل الحكومة..!!
عند هذا الحدّ إنقلب الفهري فجأة على يوسف الشّاهد.. في ما يظهر أنّه جاء على إثر عقد صفقة تبادل منافع بين القروي والفهري..!!!
وكان أوّل موقف انقلابي على الشاهد معلنا شخصيّا من الفهري.. أن عارض علنا تعديل القانون الإنتخابي الذي اقترحته حكومة الشّاهد من أجل إقصاء نبيل القروي عن الإنتخابات.. وعملت قناته على إسقاط القانون..!!
ثمّ بدأ الفهري مباشرة حملة مضادّة ليوسف الشاهد وحزبه.. وحملة ترويجيّة لنبيل القروي وحزبه.. محوّلا بذلك قناته “الحوار التونسي” إلى شبه قناة “نسمة 2″..!!
وفقا لما هو متوفّر من معلومات فإنّ سامي الفهري قد يكون حصل على وعد قاطع من نبيل القروي بمنحه عفوا رئاسيّا خاصّا ضدّ أيّ حكم قضائيّ قد يصدر ضدّه بالسجن مستقبلا.. على طريقة عفو رئيس الجمهوريّة الرّاحل الباجي قايد السّبسي بمقتضى عفو رئاسيّ خاصّ عن برهان بسيّس في قضيّة مماثلة.. وإن كان بقيمة ماليّة أقلّ بكثير.. وذلك مقابل توظيف سامي الفهري لقناته الحوار التونسي وصحفيّوها و”كرونيكوراتها” وسائر برامجها السياسيّة لإنجاح نبيل القروي وحزبه في الإنتخابات..!!
حتّى دعم سامي الفهري وقناته الحوار التونسي لعبد الكريم الزبيدي.. لم يكن في الواقع دعما لشخص الزبيدي.. وإنّما كان دعما يهدف إلى تشتيت الأصوات في نفس الخزّان الإنتخابي لضمان عدم بلوغ يوسف الشّاهد الدّور الثاني..!!
ولا يعرف تحديدا ما إذا كان عبد الكريم الزبيدي وعد بدوره سامي الفهري بالعفو الخاصّ في حالة مساعدته على الفوز بمنصب الرئاسة..!!
اليوم وأمام فشل محاولة سامي الفهري في إيصال رئيس جمهوريّة إلى قصر قرطاج ليضمن حصوله في المقابل على عفو رئاسيّ خاصّ من السّجن.. لا يحلم الفهري طبعا بأن يحصل على مثل ذلك العفو المشبوه من رئيس مثل قيس سعيّد بأيّ شكل..!!!
ولو كان الفهري مثلا يعرف.. (افتراضا فقط).. بأنّ قيس سعيّد يمكن بالفعل أن يمنحه مثل ذلك العفو.. ويمكن أن “يبيع ويشتري” على طريقة رؤوس المافيا السياسيّة الأخرى في تونس التي تسعى للسّلطة بأيّ ثمن.. وبإمكانها أن تقايض المصلحة الوطنيّة والمنصب والحكم بأيّ مقابل مادّي أو عيني أو معنوي.. لرأيت برامج قناة الحوار التونسي تلمّع حذاء قيس سعيّد مثلما لمّعوا أحذية نبيل القروي وعبد الكريم الزبيدي والباجي قايد السّبسي وغيرهم الكثير بألسنتهم..!!
ولرأيت مريم بلقاضي ومحمّد بوغلاّب ومايا القصوي ولطفي العماري وحمزة البلّومي.. ينشرون الأخبار والتحليلات والأفكار الإيجابيّة عن قيس سعيّد.. ويذمّون ويشوّهون خصومه ومنافيسه السياسيّين..!!
أو لأطردهم سامي الفهري جميعا.. وحرمهم من الأجور الشهريّة الخياليّة التي يقبضونها من قناة الحوار التونسي مقابل بثّ ونشر الأكاذيب والزّور والتشويه والسبّ والكراهيّة والحقد الأعمى..!!!
أمام الأمر الواقع اليوم.. بوجود قيس سعيّد على رأس رئاسة الجمهوريّة.. ووجود حكومة محتملة مكوّنة من إئتلاف ثوريّ بقيادة حركة النّهضة.. فإنّ سامي الفهري اختار طريق الصدام والحرب الشرسة على نظام الحكم الجديد.. في محاولة لإزعاجه والضّغط عليه.. من أجل أن يحاولوا إيجاد تسوية وحلّ معه.. يحصل بمقتضاه الفهري على ضمانات إمّا بعدم سجنه.. أو على الأقّل بسجنه لمدّة قصير جدّا.. مقابل كفّ الحرب الإعلاميّة ضدّهم.. ووقف تشويههم وتأليب الرّأي العام ضدّهم.. كما حدث في سنة 2012 و2013..!!
أو إن تعذّر ذلك.. فالتصعيد إلى أقصى حدّ ممكن من قناة “الحوار التونسي” ضدّ الحكومة وضدّ رئيس الجمهوريّة.. حتّى إذا ما حكم على سامي الفهري بالسّجن فعلا.. وقعت محاولة إظهار الحكم القضائي وكأنّه ردّ فعل من السّلطة الحاكمة على سامي الفهري وقناته المعارضة.. وإنتقام غير أخلاقي منه.. وهضم لحريّة الإعلام والصحافة..!!!!
تماما كما فعلوا سنة 2012 ضدّ حكومة الترويكا بعد إيقاف سامي الفهري بالسجن على ذمّة التحقيق..!!!
فهل يمكن لسامي الفهري أن يحلم بأن يربح حربه القذرة..؟؟ !!