زهير إسماعيل
محمّد عبو يجدّد، في ميدي شوي اليوم، عدم ثقته بالنهضة، ولكنّه هذه المرة يتّهمها ويتّهم قيادات فيها بالفساد ومراكمة ثروات من غير وجه حق، وأشار إلى أموال من الخارج وبلاصات.
والسؤال المهمّ هو : متى علم السيد عبّو بهذه الملفّات؟
الجواب على هذا السؤال مهمّ، لأنّ سلسلة من الأسئلة تترتّب عن هذا السؤال، ومن بينها :
• لماذا لم يبلّغ السيّد عبو على هذا الفساد، إذا كان علم بها قبل الانتخابات، او حتّى قبل قبل الانتخابات؟ وقد كان بين أنصار الحزبين ملاسنات حادّة في أكثر من محطّة ومنها محطّة “قانون المساواة”. وقد ذهبت تقديرات عدّة إلى أنّ النتيجة الهزيلة التي تخصّل عليها في الانتخابات الرئاسية قد تعود إلى موقفه من القانون.
• إذا كان بيد السيد عبو ملفات، او له علم بمن يملكها، لماذا لم يكم مبدئيا في موقفه من علاقته بحكومة النهضة. فقد كان موقفه متردّدا بين اختيار المعارضة والمشاركة المشروطة. إذ لم تمرّ ساعات قليلة على ظهور النتائج الأولى لسبر الآراء حتّى بادر بإعلان اختياره صفّ المعارضة، وبعد أقلّ من 12 ساعة نقض موقفه الأوّل ليشترط ثلاث وزارات للمشاركة في حكومة النهضة. وتخلّل الموقفيْن موقفُ القيادي في التيار غازي الشواشي ليقترح حكومة إنقاذ وطني لم تكن بعيدة من بدايات هوى للرباعي الراعي للحوار الذي بدأ التسخين لـ”الرعاية” بعد يوم من الانتخابات! وقبل الإعلان عن النتائج النهائية! وقبل البدء في الخطوات الأولى لتشكيل الحكومة!
ثلاث مواقف في أقلّ من يوم، وما يهمّنا من هذا الارتباك أنّه يُلغي الموقف المبدئي المطلوب، إذا كان سي محمد يملك دلائل على فساد قيادات أو مؤسسات في النهضة. وهو ما يطرح شكوكا لا تخرج عن “حقيقة الموقف” و “حقيقة الفساد”.
ليس بسيطا الحديث عن فساد جهة ما، فلا بدّ من التحرّي في مرحلة أولى وامتلاك ملفات دامغة في مرحلة ثانية. أمّا التنابز بالفساد فهو من العادات السياسية السيّئة التي ورثنا ومن أخطر تأثيراتها : التطبيع مع الفساد، والموقف السلبي للنيابة والقضاء عندما يستمعان إلى تهم لهذه الجهة أو تلك ولا يتدخّلان بما يستوجبه القانون من إجراء.
ومن جهة النهضة فإنّ اكتفاءها بالرد الإعلامي الرافض للتهمة لن يكون كافيا، وإن لم تطالب من اتهمها بفساد واضح بتقديم الدليل وتقديمه إلى الجهات المعلومة، وتلحّ على ذلك، وإذا لم يكن منه استجابة ترفع الأمر إلى القضاء… فإنّ التهمة تصبح أقرب إلى التصديق.
هناك حديث آخر سنعود إليه، حول تشكيل الحكومة، وحول حقيقة الأحزاب وهويتها السياسية وموقعها الاجتماعي، عن يمنيّتها ويساريّتها، هذا إن كان هناك يسار، فالمشهد عندنا وسط بلا يسار… سنعود إلى كل، ونحن اليوم في حلّ من كل تحفّظ…
إذا كان التنابز بالفساد جزءا من السجال السياسي، فليس لهذا إلا رسالة واحدة هي أنّ السياسة في المشهد الحزبي مفصولة عن الأخلاق في مشهدنا الحزبي، وهذا ما يفسّر جانبا من نتائج الانتخابات الرئاسية… وسنرى لهذه الرسالة أثرا واضحا إذا ذهبنا إلى انتخابات تشريعية…
الرغبة في إفشال تشكيل الحكومة يكون بإعلان موقف واضح في عدم الاستعداد للمشاركة فيها، وما سواه مناورة بائسة لتحميل المكلف بتشكيلها الفشل كلّه أمام “الجماهير”، والتفصي من تحمّل المسؤولية بـ”النكوص المعهود” وبكثير من الطفولية السياسية.
الموقف نفسه لحركة الشعب ولكن بأسباب أخرى غير الفساد وللغاية نفسها.
والحزبان يأملان في إمكانية الاتكاء على التفويض الشعبي المليوني غير المسبوق لرئيس الجمهوريّة إلى درجة أنّ أمين عام حركة الشعب قال: “سنشارك في حكومة الرئيس ولن نشارك في حكومة النهضة”، وما يحمله هذا الكلام من رهانات على غير القوة الذاتية، ومن خرق لصريح الدستور، أو الوقوع في أقصى التأويلات التي لا ضرورة لها إلا الاستمرار في منهج “الاستطاعة بالغير”، وهو نهج العجز المستدام.
بعضهم، غير متعوّد على الانتصار، مثلما لم يلحقه أذى من الفترتين البورقيبية والنوفمبرية، مقارنة بغيره، وأول مرة يذوق طعم فوز جزئي، ولّى يفيّش ويصعّر في خدّه، “عزوز كسبت خرزة” قد تفقدها مع أول انتخابات…
كم كان الفائز الدائم متواضعا، أو فاقدا للثقة فيما بين يديه!!!
صار أفضل أن تعاد الانتخابات… حتى ينقص الحديث الفارغ… وليكن للشعب ما أراد، في نسبة مشاركته أو في من يختار لقيادة المرحلة، وإن كان القانون الانتخابي الذي وضعه أنصار فرنسا في القانون الدستوري من جامعيينا بقيادة عياض بن عاشور لقطع الطريق على “أعداء الحداثة”، يمثّل مرة أخرى العقبة دون تفويض قوي لجهة سياسية او ائتلاف ثنائي متجانس يقود المرحلة.