عبد القادر عبار
1. من تواقيع حملات النظافة التي تطوع بها الشباب منذ بداية الأسبوع أن أصبحت كل الأرصفة في مدننا ضاحكة، متبرجة بأزهى الألوان الصاخبة.. والفرشاة في أيدي المتطوعين تلطم كل ما يقابلها من جدران وأعمدة وحتى “صامبات”.. دون استئذان من أحد.. الشعب يريد دهن كل وجه.. وتجيير كل قديم… وكأنه يمارس من حيث لا يشعر تفريغا نفسيا لعقدة رفضه وتقززه من رؤية كل قديم متجهم وكل باهت رث يقابله وتغييره بالممكن من أدواته المتاحة في يده من فرشاة وألوان.
2. اطمئنان الشباب بعد نتائج يوم الأحد، لبروز “النجم الثاقب” (قيس سعيد) وظهوره في سماء الرئاسة والسياسة اثر فوزه الساحق على خصم باهت.. أشعل همم الشباب وأيقظهم من سبات البلادة والخمول واللامبالاة، وفجّر الكامن فيهم من الطاقات.. وحمسهم للمبادرات ورغبهم في العطاء والبذل، فهتفوا رافعين شعار : «الشباب يريد التطوع«.. وكان أسهل التطوع وأيسره عندهم، انجازا وأدوات: حملات النظافة التي لا تكلفهم شيئا.. فانطلقوا فيها مقبلين غير مدبرين.. كنسا ودهنا.. حتى طهروا الشوارع والساحات وأضحكوا كل الأرصفة.
3. ولكن النظافة.. هي أكثر من كنس الشوارع ودهن الأرصفة.. وأدوات النظافة هي أكثر من مكنسة واكبر من فرشاة دهن.. قلوبنا وصدورنا وعقولنا تحتاج إلى تنظيف، مشاعرنا، ألفاظنا المتداولة يوميا، علاقاتنا، معاملاتنا.. إعلامنا.. وقد أحسن وصدق من قال “الشوارع النظيفة تحتاج إلى عقول نظيفة لتستمر نظافتها” كما أن العمل التطوعي هو أوسع من حملات موسمية، وأعمق من فورة حماس مؤقتة.. مصيبتنا أننا انفعاليون، مزاجيون وموسميون.. سرعان ما نشتعل ونتوقد، كما أننا سرعان ما ننطفئ ونتجمد.. سرعان ما نتقدم بتهور كما أننا سرعان ما ننسحب دون روية.
4. العمل التطوعي عقلية يجب أن ترسخ وثقافة يجب أن تتمدد اجتماعيا وتمتد عبر الأجيال.. هو سلوك حضاري قد خبرته ولازمته الدول المتقدمة ودربت أجيالها عليه لما فيه من صحة نفسية للمتطوع حيث أظهرت الدراسات أن المتطوعين هم أكثر صحة وأكثر سعادة من غير المتطوعين حيث تبين أن العمل التطوعي أكثر فائدة لصحة الإنسان من التمرّن وتناول الطعام بشكل جيد.. فقد اكتشف الباحثون من خلال قياس الهرمونات ونشاط الدماغ أن مساعدة الآخرين تسبب سعادة هائلة للشخص الذي يقوم بها كما أنه يعد أحد أهمّ المظاهر الاجتماعيّة السّليمة، حيث يخفّف العملُ التطوعيّ من انتشار العدائيّة بين الأفراد في المجتمع. ويُساهمُ في تهذيب شخصيّة المُتطوّعين. وتعزيزِ مفهوم العطاء في المجتمع.. ويعزز عقيدة الانتماء الوطني ولهذا نرى في بريطانيا أكثر من عشرين مليون شخص من البالغين يمارسون نشاطا تطوعيا كل عام وفي ألمانيا تشير الإحصائيات أن أكثر من 45 في المائة من الألمان ممن تجاوزوا 15 عاما ينخرطون في أعمال تطوعية.
5. حالة الوعي التي يبشر بها عهد الإرادة (الشعب يريد) يجب أن تجد من يرشدها ويؤطرها ويوجهها من أجل استثمار أحسن للصالح الوطني.