مقالات

المناظرة الرئاسيّة : حين يشفق ” كْلاَيْ ” على خصمه …

سليم حكيمي

سأل أحدهم فقيهة من الدولة الرستميّة حول منصب ولاية عُرضت عليه، فردّت: “إنْ وَليتَها وانت تعرف من أحقّ بها منك فأنت حطب للنار. وإن تركتَها وأنت تعلم أنّه لا يقوم بها غيرك فأنت حطب للنار”. المنصب ليس سمعة نُفاخر بها او منصبا نتربّع عليه، بل فيه تُحل معادلة الطموح والمسؤوليّة. ليست المشكلة ان يكون لك طموح بل يجب ان يتقاطع مع المصلحة العامة.

تونس في امتحان وعي أخير توصف فيه الانتخابات الرئاسية بـ”المصيرية” النعت الذي كان -زمن الرّداءة- وقفا على وصف مقابلة في كرة قدم… ومن القسم الثاني في بعض الأحيان !!!… حضرنا الاجتماع الأخير للحملة الانتخابية للرئيس المرزوقي سنة 2014 في “الكوليزي” لتستقبلنا وجوه متربّصة في شارع الحبيب بورقيبة… بينما اليوم زخم شعبي هادر وزاخر في العاصمة ومدن أخرى رافع الرأس حاسم الأمر… والاهم هو عودة الروح الثورية الى مهد الثورة التي كلما ظنناها تترّمد تفاجئنا بالتوهّج. وكل النخبة العلمانية – الشيوعية – التجمعية التي كانت تقرع طبول الحرب لإعادة تشغيل اسطوانتها المشروخة: ثنائية إسلامي/علماني – وحداثوي/رجعي، وجدت نفسها في مواجهة براديغم فساد -اصلاح وتطبيع- عدم تطبيع مع الصهاينة، مما سبب لهم حرجا حقيقيا، وهي الايجابية الوحيدة، التي أنتجتها هزيمة مرشح النهضة من السباق الرئاسي، وربّ رمية من غير رام، وقدر دون تدبير.

مادامت الأجيال تطرح الأسئلة نفسها فان الاجوبة لم تكن صحيحة. الأمل معقود بناصية الشّباب ولمعان عزمه. وهو أوّل شباب يتطوع للقيام بحملة رئيسه في سابقة عربية. انتخاب سعيد عودة الى مربّع الاخلاق والقيم التي افتقدتها تونس، فبلدنا في شوق لقدوة وقيادة والهام ومن ينزع عنهم إصر “ثقافة اللاَّبديل” بدعوى واقعية سياسية صارت الى إذعانا مزمنا بمنطق “خلّ هكاكة خيرْ”. هو بداية عصر الاحلام البِكر في فترة “فزاّني السياسة”.

كل الذين مرّروا وصول الباجي الى الانتخابات سنة 2014 دون مناظرة، استحالت عليهم كرّة اخرى ليتبيّن ان ثقوب غربال الديمقراطية يضيق في العناوين السيادية الكبرى وينخُل زُؤان كثيرين عن قمح السياسة… لحظات مرّت حاصر فيها الرئيس “قيس” او “محمد علي كلايْ السياسة” منافسا من خطإ الأقدار، وصل منهزما إلى الحلبة بفعل الفساد، بل اشفق على ضعفه، ولم يذكّره باية نقيصة منها وهنا تفوقت الثقافة والأخلاق على البراغماتية المتهورة “le temeraire pragmatisme” لرئيس يريد ان يجمع، وآخر بدا راغبا في التفرقة.

خطورة ما يجري انه مقدّمة لرفع الوصاية النهائية لنخبة التغريبية على المجتمع. بل لأن التفاعل بين السلطة والمجتمع في اتجاه واحد: الشّعب لا يؤثر في طبيعة السلطة وإنما تؤثر السلطة في خصائص الشعب وقيمه وأخلاقه. ولكنّ الديمقراطية تمنح فرصة تغيير السلطة وهنا دورها الذي يتجاوز الرّهان فيه الأشخاص.. سعّيد او القروي أو غيرهما. الفساد وسيلة الطبيعة لمزيد إيماننا بالديمقراطية، ويجب أن تكون السياسة بمعنى “القيام على الأمر بما يصلحه” وان يعود اليها مفهوم الامانة والمسؤولية، وهو أمّ المفاهيم فيها. بين الإنتاج المافيوزي للسّياسة وسياسة نظيفة تجعل المصلحة العامة أفقا وتلتزم بتطبيق القانون نهجا، ويكفي تونس احترامه. ويكفي سعيد أن يكون مُلهما.. يساهم في توفير مناخ تتحقّق فيه الأحلام الفردية والجماعية وهو المعنى السليم للسياسة.

“بن كيران” في المغرب، الذي أصغى إليه 5.8 مليون مشاهد في برنامجه الشهري التلفزي، “المرزوقي” و”سعيّد” في تونس، أردوغان في تركيا و”المهاتير محمد” في ماليزيا، و”حليمة يعقوب” في سنغافورة، واسماعيل هنية في غزّة… يمثلون عودة الله إلى السياسة في تجلّيه العادل. حين استقبل “بوتين” عملاق الادب الروسي “الكسندر سولجنستين” انتظر منه ان يجامله، ولكنّه قال له: “كل ما يقع من ظلم في العالم ناجم عن نسيان وجود الله”. تخفي عنا النخب أنّ الخير والشرّ من مصطلحات السياسة في الغرب. سنة 2000 ردّد مرشح الرئاسة الأمريكية “Albert Arnold Gor” أثناء حملته الانتخابية في مواجهة “George Bush الابن” أن والده كان يوصيه دوما بفعل الخير في أي منصب كان”. برزخ الدّيمقراطية سيفصل مرَج البحرين بين “الذين يحرقهم الشوق إلى العدل والذين يؤرقهم الخوف من العدل “بلغة طه حسين”. وستزول عصابات الحكم الآسن، ويصحّح التاريخ مجراه فقط “Alignez-vous” يرحمكم الله كما قال إمام خُمس جزائري شمّر للصلاة ثيابه. أرجح فوزا واضحا لقيس سعيد، ومنطق الاشياء يفرض ان يصوّت القروي نفسه لمنافسه قبل أيّ ناخب آخر.

وماذا سيكون مصير القروي بعد الهزيمة، هل العودة الى السجن أم بداية ترتيبات الهروب ؟؟؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock