الضحك في وجه المافيا
ليلى حاج عمر
البارحة سمع العالم الشعب التونسي يضحك في وجه المافيا. اهتزّ جبل الكبّار للضّحك وردّد الصدى جبل بوقرنين وطارت العصافير حرّة طليقة من أقفاص المافيا. كان ضحكا عقليا عميقا وتعبيرة قرف كبرى من الضحالة التي أبداها المترشّح للرئاسة الخارج من السجن بتهمة التهرّب الضريبي وغسيل الأموال، وإجهازا على منظومة قديمة عفنة برذائلها ولؤمها حوّلت البلاد إلى مرتع للفساد.
المترشّح المتلعثم البارحة مثّل التعبيرة الأسوأ لوجه القديم القبيح الذي تحاول أن تخفيه. وجه الاستثمار بالفقراء من أجل القبض على السّلطة وخنق الأنفاس. الضحك الهادم للسيستام بلغ ذروته مع ادّعاء المافيوزي أنّه مع مقاومة الفساد والتهرّب الضريبي وصلت المفارقة آنذك حدّ التراجيدي فإذا الضحك كالبكاء. إنّها المأساة الرائعة حين تدفع الديمقراطيّة لصوصها إلى العراء وتجهز عليهم بلطفها الناعم.
سمعنا البارحة صوت انهيار واجهة المنظومة القديمة وتشظّي بلّوره في الأرجاء. وسمعنا عاصفة الضحك الناعمة تهزّ ما تبقّى من الأنقاض وتلقي بها في ردم التاريخ. وفي لحظة شعرنا أنّ البطل المنهار يكاد يبكي ولكنّه ظلّ طوال المناظرة يجدع أنفه على طريقة “قصير” العربي في الحكاية إيغالا في المكر والخداع. كان صغيرا أمام كبرياء القيم الذي يختزله المترشّح الأستاذ. جبل من القيم لا تهزّه الرّيح. وإن غمض البرنامج فإنّ مناظرة البارحة كانت انتصارا تونسيّا عميقا للأخلاق في مواجهة اللّاأخلاقي وللقيمة في مواجهة الابتذال وللسياسة المتخلّقة في مواجهة السياسة المتخلّفة. ولا يحتاج التونسي سوى نموذجا عاليا حتّى يدرك الإسفاف الذي غرق فيه لعقود وأزمة القيم التي تشكّل أحد معضلات وجوده.
كان لا بدّ من ضحك البارحة لنعيد بناء المعنى المؤسّس بعيدا عن لطميّات قاطعي الطريق هؤلاء الذين يرفعون شعار: إذا متّ ظمآنا فلا نزل القطر. سينزل القطر على تونس الجديدة رغم المافيا وقاطعي الطريق المندثرين في صحراء فكرهم العقيم وفي فلاة الإيديولوجيا التي لا تتطوّر ولا تتحرّر من القراءات السقيمة والعداوات اللّئيمة.
ها هو التاريخ يتقدّم ضاحكا ساخرا ممّن فضّلوا أن يضعوا السمّ في الطعام. ومهما كانت النتيجة سنواصل الضحك المقاوم والنبيل في وجه صعاليك المافيا غير النبيلة، وفي وجه قطّاع الطرّق الحزانى، وفي وجه المثقّفين اللّاطمين، ومن أجلنا نحن الذين قضّينا العمر نطارد خيط المعنى الجميل في الحياة.